للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحجِّ: هي حلالٌ، فقال له السَّائل: إنَّ أباك قد نهى عنها، فقال: أرأيتَ إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أأمرُ أبي يُتَّبع أم أمرُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال الرَّجل: بل أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لقد صنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١).

قال هؤلاء: ولولا الهدي لحلَّ كما يحلُّ المتمتِّع الذي لا هديَ معه، ولهذا قال: «لولا أنَّ معي الهديَ لأحللتُ»، فأخبر أنَّ المانع له من الحلِّ سوق الهدي، والقارن إنَّما يمنعه من الحلِّ القران لا الهدي. وأرباب هذا القول قد يسمُّون هذا المتمتِّع قارنًا، لكونه أحرم بالحجِّ قبل التَّحلُّل من العمرة، ولكنَّ القِران المعروف أن يُحرِم بهما جميعًا، أو يحرم بالعمرة ويُدخل عليها الحجَّ قبل الطَّواف.

والفرق بين القارن والمتمتِّع السَّائق من وجهين:

أحدهما: من الإحرام، فإنَّ القارن هو الذي يُحرِم بالحجِّ قبل الطَّواف إمَّا في ابتداء الإحرام أو في أثنائه.

والثَّاني: أنَّ القارن ليس عليه إلا سعيٌ واحدٌ، فإن أتى به أوَّلًا، وإلَّا سعى عقيبَ طواف الإفاضة، والمتمتِّع عليه سعيٌ ثانٍ عند الجمهور. وعن أحمد روايةٌ أخرى: أنَّه يكفيه سعيٌ واحدٌ كالقارن. والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَسْعَ سعيًا ثانيًا عقيبَ طواف الإفاضة، فكيف يكون متمتِّعًا على هذا القول؟

فإن قيل: فعلى الرِّواية الأخرى يكون متمتِّعًا، ولا يتوجَّه الإلزام، ولها وجهٌ قويٌّ من الحديث الصَّحيح، وهو ما رواه مسلم في «صحيحه» (٢) عن


(١) حديث ابن عمر مخرج عند الترمذي (٨٢٤)، وهو صحيح.
(٢) برقم (١٢١٥، ١٢٧٩).