للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، ثمَّ ركبَ القَصْواء، حتَّى إذا استوت به ناقتُه على البيداء نظرتُ إلى مَدِّ بصري بين يديه (١) من راكبٍ وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهُرِنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعلم تأويله، فما عَمِلَ به من شيءٍ عمِلنا به. فأهلَّ بالتَّوحيد «لبَّيك اللَّهمَّ لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريكَ لك». وأهلَّ النَّاس بهذا الذي يُهِلُّون به، ولزِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيتَه.

فأخبر جابر أنَّه لم يزد على هذه التَّلبية، ولم يذكر أنَّه أضاف إليها حجًّا ولا عمرةً ولا قِرانًا، وليس في شيءٍ من هذه الأعذار ما يناقض أحاديث تعيينه النُّسكَ الذي (٢) أحرم به في الابتداء، وأنَّه القران.

فأمَّا حديث طاوسٍ، فهو مرسلٌ لا يُعارَض به الأساطينُ المسنَداتُ، ولا يُعرف اتِّصاله بوجهٍ صحيحٍ ولا حسنٍ. ولو صحَّ فانتظاره للقضاء كان فيما بينه وبين الميقات، فجاءه القضاء وهو بذلك الوادي، أتاه آتٍ من ربِّه فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجَّةٍ. فهذا القضاء الذي انتظره جاءه قبل الإحرام، فعيَّن له القِران. وقول طاوسٍ: «نزل عليه القضاء وهو بين الصَّفا والمروة» هو قضاءٌ آخر غير القضاء الذي نزل عليه بإحرامه، فإنَّ ذلك كان بوادي العقيق، وإنما القضاء الذي نزل عليه بين الصَّفا والمروة قضاء الفسخ الذي أمر به أصحابه إلى العمرة، فحينئذٍ أمر كلَّ من لم يكن معه (٣)


(١) ك، ص، ج: «من بين يديه». والمثبت من ق، مب موافق لما عند مسلم.
(٢) «الذي» ليست في ص.
(٣) ص، ج: «معه منهم».