هديٌ أن يفسخ إلى عمرةٍ، وقال:«لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لما سقتُ الهدي، ولجعلتُها عمرةً»، وكان هذا أمرَ حَتْمٍ بالوحي، فإنَّهم لمَّا توقَّفوا فيه قال: «انظروا (١) الذي أمرتُكم به فافعلوه».
وأما قول عائشة:«خرجنا لا نذكر حجًّا ولا عمرةً»، فهذا إن كان محفوظًا عنها وجب حملُه على ما قبل الإحرام، وإلَّا ناقضَ سائرَ الرِّوايات الصَّحيحة عنها: أنَّ منهم من أهلَّ عند الميقات بحجٍّ، ومنهم من أهلَّ بعمرةٍ، وأنَّها ممَّن أهلَّ بعمرةٍ.
وأمَّا قولها:«نلبِّي لا نذكر حجًّا ولا عمرةً»، فهذا في ابتداء الإحرام، ولم تقلْ: إنَّهم استمرُّوا على ذلك إلى مكَّة. هذا باطلٌ قطعًا، فإنَّ الذين سمعوا إحرام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أَهلَّ به شهدوا على ذلك، وأخبروا به، ولا سبيلَ إلى ردِّ رواياتهم. ولو صحَّ عن عائشة ذلك لكان غايته أنَّها لم تحفظ إهلالهم عند الميقات، أو نفتْه وحفظه غيرها من الصَّحابة وأثبته، والرِّجال أعلم بذلك من النِّساء.
وأمَّا قول جابر:«أهلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتَّوحيد»، فليس فيه إلا إخباره عن صفة تلبيته، وليس فيه نفيٌ لتعيينه النُّسكَ الذي أحرم به بوجهٍ من الوجوه. وبكلِّ حالٍ، فلو كانت هذه الأحاديث صريحةً في نفي التَّعيين لكانت أحاديث أهل الإثبات أولى بالأخذ منها؛ لكثرتها وصحَّتها واتِّصالها، وأنَّها مُثبِتةٌ مبيِّنةٌ متضمِّنةٌ لزيادةٍ خفيتْ على من نفى، وهذا بحمد الله واضحٌ؛ وباللَّه التَّوفيق.