للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حيًّا، فليس للمحرم ذبحُ حمارٍ وحشي، وإن كان أهدى له لحمًا (١) فقد يحتمل أن يكون علم أنَّه صِيْد له، فردَّه عليه، وإيضاحه في حديث جابر. قال: وحديث مالك أنَّه أهدى له حمارًا أثبتُ من حديث مَن حدَّث أنه أهدى (٢) له من لحم حمارٍ.

قلت: أمَّا حديث يحيى بن سعيدٍ عن جعفر، فغلطٌ بلا شكٍّ، فإنَّ الواقعة واحدةٌ، وقد اتَّفق الرُّواة أنَّه لم يأكل منه، إلا هذه الرِّواية الشَّاذَّة المنكرة.

وأمَّا الاختلاف في كون الذي أهداه حيًّا أو لحمًا، فرواية من روى لحمًا أولى لثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أنَّ راويها قد حفظها، وضبطَ الواقعة حتَّى ضبطَ أنها تقطُر دمًا، وهذا يدلُّ على حفظه للقصَّة حتَّى لهذا الأمر الذي لا يُؤبَه له.

الثَّاني: أنَّ هذا صريحٌ في كونه بعض الحمار، وأنَّه لحمٌ منه، فلا يناقض قوله: «أهدى له حمارًا»، بل يمكن حمله على رواية من روى «لحمًا» تسميةً للحمه باسم الحيوان، وهذا ممَّا لا تأباه اللُّغة.

الثَّالث: أنَّ سائر الرِّوايات متَّفقةٌ على أنَّه بعضٌ من أبعاضه، وإنَّما اختُلِف في ذلك البعض: هل هو عَجُزه، أو شِقُّه، أو رِجله، أو لحمٌ منه؟ ولا تناقضَ بين هذه الرِّوايات، إذ يمكن أن يكون الشِّقُّ الذي فيه العَجُز، وفيه الرِّجل، فصحَّ التَّعبير عنه بهذا وهذا. وقد رجع ابن عيينة عن قوله: «حمارًا»، وثبت على قوله: «لحم حمارٍ» حتَّى مات. وهذا يدلُّ على أنَّه تبيَّن له أنَّه إنَّما


(١) ق، ب، مب: «الحمار».
(٢) «أنه أهدى» ليست في المطبوع.