للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ من المعلوم أنَّ دعوى الاختصاص باطلةٌ بنصِّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ تلك العمرة الَّتي وقع السُّؤال عنها وكانت عمرةَ فسخٍ لأبدِ الأبد، لا تختصُّ بقرنٍ دون قرنٍ، وهذا أصحُّ سندًا من المرويِّ عن أبي ذر، وأولى أن يؤخذ به منه لو صحَّ عنه.

وأيضًا، فإذا رأينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اختلفوا في أمرٍ صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه فعله أو أمر به، فقال بعضهم: هو منسوخٌ أو خاصٌّ، وقال بعضهم: هو باقٍ إلى الأبد، فقول من ادَّعى نسخَه أو اختصاصه مخالفٌ للأصل، فلا يُقبل إلا ببرهانٍ، وأقلُّ ما في الباب معارضتُه بقول من ادَّعى بقاءه وعمومه، والحجَّة تَفصِل بين المتنازعين، والواجب الردُّ عند التَّنازع إلى الله ورسوله. فإذا قال أبو ذر وعثمان: إنَّ الفسخ منسوخٌ أو خاصٌّ، وقال أبو موسى وعبد الله بن عبَّاسٍ: إنَّه باقٍ وحكمه عامٌّ، فعلى من ادَّعى النَّسخ والاختصاصَ الدَّليلُ.

وأمَّا حديثه المرفوع ــ حديث بلال بن الحارث ــ فحديثٌ لا يثبت (١)، ولا يُعارَض بمثله (٢) تلك الأساطين الثَّابتة.

قال عبد الله بن أحمد (٣): كان أبي يرى للمهلِّ بالحجِّ أن يفسخ حجَّه إذا طاف بالبيت وبين الصَّفا والمروة. وقال في المتعة: هو آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «اجعلوا حجَّكم عمرةً». قال عبد الله: فقلت لأبي:


(١) في المطبوع: «لا يكتب» خلاف النسخ.
(٢) ك: «به».
(٣) رواه من طريقه ابن حزم في «حجة الوداع» (ص ٣٧١)، ولم أجد في «مسائله» (ص ٢٠٤) إلا فقرة منه، وانظر: «شرح العمدة» (٤/ ٣٤٩).