للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا جواب العلماء، لا جواب من يقول عثمان وأبو ذر أعلمُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منكم، فهلَّا قال ابن عبَّاسٍ وعبد الله بن عمر: أبو بكر وعمر أعلمُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منَّا، ولم يكن أحدٌ من الصَّحابة ولا من التَّابعين يرضى بهذا الجواب في دفع نصٍّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم كانوا أعلمَ بالله ورسوله وأتقى له من أن يقدِّموا على قول المعصوم رأيَ غير المعصوم. ثمَّ قد ثبت النَّصُّ عن المعصوم بأنَّها باقيةٌ إلى يوم القيامة، وقد قال ببقائها: عليُّ بن أبي طالبٍ، وسعد بن أبي وقَّاصٍ، وابن عمر، وابن عبَّاسٍ، وأبو موسى، وسعيد بن المسيَّب، وجمهور التَّابعين (١).

ويدلُّ على أنَّ ذلك رأيٌ محضٌ لا يُنسَب إلى أنَّه مرفوعٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - لمَّا نهى عنها قال له أبو موسى الأشعريُّ: يا أمير المؤمنين! ما أحدثتَ في شأن النُّسك؟ فقال: إن نأخذ بكتاب ربِّنا فإنَّ الله يقول: {(١٩٥) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]، وإن نأخذ بسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحلَّ حتَّى نحر. فهذا اتِّفاقٌ من أبي موسى وعمر على (٢) أنَّ منع الفسخ إلى المتعة أو الإحرام بها ابتداءً إنَّما هو رأيٌ منه أحدثَه في النُّسك، ليس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإن استدلَّ له بما استدلَّ. وأبو موسى كان يفتي النَّاس بالفسخ في خلافة أبي بكر كلِّها، وصدرًا من خلافة عمر، حتَّى فاوض عمر في نهيه عن ذلك، واتَّفقا على أنَّه رأيٌ أحدثه عمر في النُّسك، ثمَّ صحَّ عنه الرُّجوعُ عنه.


(١) انظر: «حجة الوداع» لابن حزم عند حديث (٤٢٥).
(٢) ص: «وعلي»، خطأ.