للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: فهذا الذي اختاره عمر للنَّاس، فظنَّ من غلِطَ منهم أنَّه نهى عن المتعة، ثمَّ منهم من حمل نهيه على متعة الفسخ، ومنهم من حمله على ترك الأَولى ترجيحًا للإفراد عليه، ومنهم من عارض روايات النَّهي عنه بروايات الاستحباب وقد ذكرناها، ومنهم من جعل في ذلك روايتين عن عمر، كما عنه روايتان في غيرها من المسائل، ومنهم من جعل النَّهي قولًا قديمًا رجع عنه أخيرًا (١)، كما سلك أبو محمَّدٍ بن حزمٍ. ومنهم من يَعُدُّ النَّهي رأيًا رآه من عنده لكراهته أن يظلَّ الحاجُّ مُعرِسين بنسائهم في ظلِّ الأَراك، كما قال أبو حنيفة عن حماد، عن إبراهيم النَّخعيِّ، عن الأسود بن يزيد قال: بينا أنا واقفٌ مع (٢) عمر بن الخطَّاب بعرفة عشيَّةَ عرفةَ، فإذا هو برجلٍ مُرجَّلٍ شَعرُه يفوح منه ريح الطِّيب، فقال له عمر: أمحرِمٌ أنت؟ قال نعم، قال عمر: ما هيئتُك بهيئة محرمٍ، إنَّما المحرم الأشعثُ الأغبر الأذفر، قال: إنِّي قدمت متمتِّعًا، وكان معي أهلي، وإنَّما أحرمتُ اليومَ. فقال عمر عند ذلك: لا تتمتَّعوا في هذه الأيَّام، فإنِّي لو رخَّصتُ في المتعة لهم لعرَّسوا بهنَّ في الأَراك، ثمَّ راحوا (٣) بهنَّ حُجَّاجًا (٤). وهذا يبيِّن أنَّ هذا من عمر رأيٌ (٥) رآه.

قال ابن حزمٍ (٦): وكان ماذا؟ وحبَّذا ذاك! قد طاف النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على نسائه،


(١) ك: «آخرا».
(٢) ج: «معي».
(٣) ك: «رجعوا».
(٤) رواه ابن حزم في «حجة الوداع» (٤٠٦) من طريقه.
(٥) ج، ك: «رأي له».
(٦) في «حجة الوداع» عقب الأثر.