للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولعَمْرُ الله إن لم يكونوا يعلمون جوازها بذلك فهم أجدرُ أن لا يعلموا جوازها بالفسخ.

الثَّالث: أنَّه أمرَ من لم يَسُقِ الهدي أن يتحلَّل، وأمر من ساق الهدي أن يتمّ (١) على إحرامه حتَّى يبلغ الهدي محلَّه، ففرَّق بين مُحرمٍ ومُحرمٍ، وهذا يدلُّ على أنَّ سَوق الهدي هو المانع من التَّحلُّل، لا مجرَّد الإحرام الأوَّل، والعلَّة الَّتي ذكروها لا تختصُّ بمحرمٍ دون محرمٍ، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جعل التَّأثير في الحلِّ وعدمه للهدي وجودًا وعدمًا، لا (٢) لغيره.

الرَّابع: أن يقال: إذا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قصدَ مخالفة المشركين، كان هذا دليلًا على أنَّ الفسخ أفضل لهذه العلَّة؛ فإنه إذا كان إنَّما أمرهم بذلك لمخالفة المشركين، كان هذا يقتضي أن يكون الفسخ مشروعًا (٣) إلى يوم القيامة، إمَّا وجوبًا وإمَّا استحبابًا، فإنَّ ما فعله النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وشرعه لأمَّته في المناسك مخالفةً لهدي المشركين هو مشروعٌ إلى يوم القيامة، إمَّا وجوبًا أو استحبابًا، فإنَّ المشركين كانوا يُفِيضون من عرفة قبل غروب الشَّمس، وكانوا لا يُفيضون من مزدلفة حتَّى تطلع الشَّمس، وكانوا يقولون: «أَشرِقْ ثَبِيرُ كيما نُغِير» فخالفهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (٤)، وقال: «خالفَ هَدْيُنا هديَ المشركين» (٥)، فلم


(١) كذا في جميع النسخ. وفي المطبوع: «يبقى».
(٢) «لا» ساقطة من ك.
(٣) في المطبوع: «كان يكون دليلًا على أن الفسخ يبقى مشروعًا».
(٤) رواه البخاري (١٦٨٤) دون قوله «كيما نغير» من حديث عمر- رضي الله عنه -، ورواه أحمد (٢٩٥، ٣٥٨، ٣٨٥) وابن ماجه (٣٠٢٢) بهذه الزيادة.
(٥) رواه ابن أبي شيبة (١٥٤١٦) وأبو داود في «المراسيل» (١٥١) والبيهقي في «المعرفة» (٧/ ٣٠١) من حديث محمد بن قيس بن مخرمة مرسلًا.