للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «صحيح البخاريِّ» (١) عنه: أنَّ سُراقة قال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ألكم هذه خاصَّةً يا رسول اللَّه؟ قال: «بل للأبد».

فبيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ تلك العمرة الَّتي فسخَ من فسخَ منهم حجَّه (٢) إليها للأبد، وأنَّ العمرة دخلت في الحجِّ إلى يوم القيامة. وهذا يبيِّن أنَّ عمرة التمتع بعض الحجِّ.

وقد اعترض بعض (٣) النَّاس على الاستدلال بقوله: «بل لأبد الأبد» باعتراضين:

أحدهما: أنَّ المراد أنَّ سقوط الفرض بها لا يختصُّ بذلك العام، بل يسقطه إلى الأبد. وهذا الاعتراض باطلٌ، فإنَّه لو أراد ذلك لم يقل: «للأبد»، فإنَّ الأبد لا يكون في حقِّ طائفةٍ معيَّنةٍ، بل إنَّما يكون لجميع المسلمين. ولأنَّه قال: «دخلت العمرة في الحجِّ إلى يوم القيامة». ولأنَّهم لو أرادوا بذلك السُّؤال عن تكرر الوجوب لما اقتصروا على العمرة، بل كان السُّؤال عن الحجِّ. ولأنَّهم قالوا له: «عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد؟» ولو أرادوا تكرُّر وجوبها كلَّ عامٍ لقالوا له كما قالوا في الحجِّ: أكلَّ عامٍ يا رسول اللَّه؟ ولأجابهم بما أجابهم به في الحجِّ بقوله: «ذَرُوني ما تركتُكم، لو قلتُ: نعم، لوجبتْ» (٤). ولأنَّهم قالوا له: هذه لكم خاصَّةً؟ فقال: «بل لأبد الأبد»، فهذا السُّؤال والجواب صريحان في عدم الاختصاص.


(١) برقم (١٧٨٥).
(٢) في المطبوع: «حجة».
(٣) «بعض» ليست في ص.
(٤) رواه مسلم (١٣٣٧/ ٤١٢) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.