قوله:«كلمات يسيرة» صريح الدلالة على أن المؤلف - رحمه الله - كان ينوي وضع كتاب مختصر في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه، ولا سيما لكونه في حال السفر وتشتت البال والبعد عن الكتب. فيبدو أنه لما كتب الفصول الأولى في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه لم يكن بين يديه إلا كتب معدودة أهمها «المختصر الكبير في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -» لعز الدين ابن جماعة، و «القرمانية» لشيخ الإسلام وهي قاعدة تتضمن ذكر ملابس النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلاحه ودوابه. أما فصل قص الشارب (١/ ١٩١) الذي اعتمد فيه على كتاب «التمهيد» لابن عبد البر، فقد أضافه فيما بعد. وهكذا زاد في (١/ ٦٧) فقرة من «التمهيد» تتعلق بختان النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومثله ما يتعلق بزواج أم سلمة (١/ ٩٥ - ٩٨) وزيادات أخرى نبهنا عليها في تعليقاتنا.
ولكن يظهر أن المؤلف لما استقر به النوى، وحصلت له الكتب أبى ذهنه الوقَّاد وعلمه الغزير وقلمه السيَّال إلا أن يتوسع ويتبسَّط على منهجه المعروف، فينقل المذاهب، ويناقش الأدلة، ويرجح الأقوال، ويتكلم على الأحاديث والآثار؛ فاختلف بناء الكتاب، وابتعد ابتعادًا كليًّا عن خطته الأولى. فبينما كانت النية أن يكون كتابًا مختصرًا إذ امتدّ واستطال حتى بلغ «أربعة أسفار» كما ذكر الصفدي وغيره في ترجمته، وإذا كان المأمول أن يقتصر فيه على ما صح وثبت من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير تعرض لاختلاف الفقهاء ومحاكمة الأقوال، أصبح بعض أبوابه كأنها من كتاب مطوَّل في الفقه المقارن.
ومن أوضح الأدلة على تغيُّر خطة الكتاب: قِسْم الطب النبوي. قال المؤلف - رحمه الله - في بعض فصول القسم الأول: «وأصول الطب ثلاثة: الحمية،