للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وموضع خطبته لم يكن من الموقف، فإنَّه خطب بعُرَنَة (١)، وليست من الموقف، وهو - صلى الله عليه وسلم - نزل بنَمِرَة، وخطب بعُرَنَة، ووقف بعرفة، وخطب خطبةً واحدةً، لم تكن خطبتين جلس بينهما، فلمَّا أتمَّها أمر بلالًا فأذَّن، ثمَّ أقام (٢)، فصلَّى الظُّهر ركعتين أسرَّ فيهما بالقراءة، وكان يوم الجمعة. فدلَّ على أنَّ المسافر لا يصلِّي جمعةً، ثمَّ أقام فصلَّى العصر ركعتين أيضًا، ومعه أهل مكَّة، وصلَّوا بصلاته قصرًا وجمعًا بلا ريبٍ، ولم يأمرهم بالإتمام ولا بترك الجمع. ومن قال: إنَّه قال لهم: «أتِمُّوا صلاتكم فإنَّا قومٌ سَفْرٌ» فقد غلِطَ عليه (٣) غلطًا بيِّنًا، ووهم وهمًا قبيحًا، وإنَّما قال لهم ذلك في غزاة الفتح بجوف مكَّة، حيث كانوا في ديارهم مقيمين (٤).

ولهذا كان أصحُّ أقوال العلماء: إنَّ أهل مكَّة يقصُرون ويجمعون بعرفة، كما فعلوا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا أوضحُ دليلٍ على أنَّ سفر القصر لا يتحدَّد بمسافةٍ معلومةٍ، ولا بأيَّامٍ (٥)، ولا تأثيرَ للنُّسك في قصر الصَّلاة البتَّةَ، وإنَّما التَّأثير لما جعله الله سببًا وهو السَّفر. هذا مقتضى السُّنَّة، ولا وجهَ لما ذهب إليه المحدِّدون.

فلمَّا فرغ من صلاته ركب حتَّى أتى الموقف، فوقف في ذيل الجبل عند


(١) مب، ص: «بعرفة»، تصحيف.
(٢) بعدها في المطبوع: «الصلاة». وليست في النسخ.
(٣) في المطبوع: «فيه». والمثبت من النسخ.
(٤) رواه أبوداود (١٢٢٩) من حديث عمران بن حصين، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان متكلم فيه. وانظر: «ضعيف أبي داود - الأم» (٢/ ٣٤).
(٥) بعدها في المطبوع: «معلومة»، وليست في النسخ.