للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: نقبله ونصدِّقه، فإنَّ المائة لم تُقرَّب إليه جملةً، وإنَّما كانت تُقرَّب إليه أَرسالًا، فقرِّب إليه منها خمسُ بَدَناتٍ رَسَلًا، وكان ذلك الرَّسَلُ يبادرن ويتقرَّبن إليه ليبدأ بكلِّ واحدةٍ منهنَّ.

فإن قيل: فما تصنعون بالحديث الذي في «الصَّحيحين» (١) من حديث أبي بَكْرة في خطبة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يوم النَّحر بمنًى، وقال في آخره: ثمَّ انكَفَأ إلى كَبْشين أملحين فذبحهما، وإلى جُزَيعةٍ (٢) من الغنم فقَسَمَها بيننا. لفظ مسلمٍ (٣). ففي هذا أنَّ ذبح الكبشين كان بمكَّة، وفي حديث أنس أنَّه كان بالمدينة.

قيل: في هذا طريقان للنَّاس:

إحداهما: أنَّ القول قول أنس، وأنَّه ضحَّى بالمدينة بكبشين أملحين أقرنين، وأنَّه صلَّى العيد ثمَّ انكفأ إلى الكبشين، ففصَّل أنس وميَّز بين نحره بمكَّة للبُدْن وبين نحرِه بالمدينة للكبشين، وبيَّن أنَّهما قصَّتان. ويدلُّ على هذا أنَّ جميع من ذكر نحر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمنًى إنَّما ذكروا أنَّه نحر الإبل، وهو الهدي الذي ساقه، وهو أفضل من نحر الغنم هناك بلا سَوْقٍ. وجابر قد قال في صفة حجَّة الوداع: إنَّه رجع من الرَّمي فنحر البدن، وإنَّما اشتبه على بعض الرُّواة


(١) البخاري (٦٧) ومسلم (١٦٧٩/ ٣٠).
(٢) في جمع النسخ: «جذيعة» بالذال. والتصويب من «صحيح مسلم». والجُزَيْعَة: القطعة من الغنم، تصغير جزعة، وهو القليل من الشيء. وضبطه ابن فارس في «مجمل اللغة» (جزع) بفتح الجيم وكسر الزاي كأنها فعيلة بمعنى مفعولة. وانظر: «النهاية» (١/ ٢٦٩) و «شرح صحيح مسلم» للنووي (١١/ ١٧١).
(٣) برقم (١٦٧٩/ ٣٠).