للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الكلام الأخير من قول هشام بن عروة، جاء ذلك في «صحيح مسلم» (١) مصرَّحًا به، فقال: حدَّثنا أبو كُريب، ثنا وكيعٌ، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة ... فذكرت الحديث. وفي آخره (٢) في ذلك: «إنَّه قضى الله حجَّها وعمرتها. قال هشام: ولم يكن في ذلك هديٌ ولا صيامٌ ولا صدقةٌ».

قال أبو محمد (٣): إن كان وكيعٌ جعل هذا الكلام لهشام، فابن نُمير وعَبدة أدخلاه في كلام عائشة، وكلٌّ منهما ثقةٌ، فوكيعٌ نسبه إلى هشام لأنَّه سمع هشاما يقوله، وليس قول هشام إيَّاه بدافعٍ أن تكون عائشة قالته، فقد يروي المرء حديثًا يسنده، ثمَّ يفتي به دون أن يسنده، فليس شيءٌ من هذا بمتدافعٍ. وإنَّما يتعلَّل بمثل هذا مَن لا يُنصِف ومن اتَّبع هواه، والصَّحيح من ذلك أنَّ كلَّ ثقةٍ فمصدَّقٌ فيما نقل. فإذا أضاف عَبدة وابن نُميرٍ القولَ إلى عائشة صُدِّقا لعدالتهما، وإذا أضافه وكيعٌ إلى هشام صُدِّق أيضًا لعدالته، وكلُّ ذلك صحيحٌ، وتكون عائشة قالته وهشام قاله.

قلت: هذه الطَّريقة هي اللَّائقة بظاهريَّته وظاهريَّةِ أمثاله، ممَّن لا فقهَ له في علل الأحاديث كفقه الأئمَّة النُّقَّاد أطبَّاءِ علله وأهلِ العناية بها، وهؤلاء لا يلتفتون إلى قول من خالفهم ممَّن ليس له ذوقهم ومعرفتهم، بل يقطعون بخطائه (٤)، بمنزلة الصَّيارف النُّقَّاد الذين يميِّزون بين الجيِّد والرَّديء، ولا يلتفتون إلى خطإ من لم يعرف ذلك.


(١) برقم (١٢١١/ ١١٧).
(٢) بعدها في المطبوع زيادة: «قال عروة». وليست في النسخ.
(٣) في «حجة الوداع» (ص ٣١٠، ٣١١).
(٤) كذا في جميع النسخ ممدودًا، وهو صواب. وفي المطبوع: «بخطئه».