للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد جُمِع بينهما بجمعين آخرين، وهما وهمٌ:

أحدهما: أنَّه طاف للوداع مرَّتين، مرَّةً بعد أن بعثها وقبل فراغها، ومرَّةً بعد فراغها للوداع. وهذا مع أنَّه وهمٌ بيِّنٌ فإنَّه لا يرفع الإشكال بل يزيده، فتأمَّلْه.

الثَّاني: أنَّه انتقل من المحصَّب إلى ظهر العقبة خوف المشقَّة على المسلمين في التَّحصيب، فلقيتْه وهي منهبطةٌ إلى مكَّة وهو مُصعِدٌ إلى العقبة (١). وهذا أقبح من الأوَّل؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج من العقبة أصلًا، وإنَّما خرج من أسفلِ مكَّة من الثَّنيَّة السُّفلى بالاتِّفاق. وأيضًا، فعلى تقدير ذلك لا يحصل الجمع بين الحديثين.

وذكر أبو محمَّدٍ بن حزمٍ (٢) أنَّه رجع بعد خروجه من أسفل مكَّة إلى المحصَّب، وأمر بالرَّحيل. وهذا وهمٌ أيضًا، لم يرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وداعه إلى المحصَّب، وإنَّما مرَّ من فوره إلى المدينة.

وذكر في بعض تواليفه أنَّه فعل ذلك ليكون كالمُلْحِق مكَّةَ (٣) بدائرةٍ في دخوله وخروجه، فإنَّه بات بذي طُوًى، ثمَّ دخل من أعلى مكَّة، ثمَّ خرج من أسفلها، ثمَّ رجع إلى المحصَّب، ويكون هذا الرُّجوع من يماني مكَّة حتَّى تحصل الدَّائرة، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا جاء نزل بذي طُوًى، ثمَّ أتى على مكَّة من


(١) ك: «بالعقبة».
(٢) في «حجة الوداع» (ص ٢١٩).
(٣) في المطبوع: «كالمحلّق على مكة» خلاف النسخ.