للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففي هذا الحديث أنَّهما تلاقيا في الطَّريق، وفي الأوَّل أنَّه انتظرها في منزله، فلمَّا جاءت نادى بالرَّحيل في أصحابه. ثمَّ فيه إشكالٌ آخر، وهو قولها (١): «لقيني وهو مُصعِدٌ من مكَّة وأنا منهبطةٌ عليها»، أو بالعكس، فإن كان الأوَّل فيكون قد لقيها مصعدًا منها راجعًا إلى المدينة، وهي منهبطةٌ عليها للعمرة، وهذا ينافي انتظاره لها بالمحصَّب.

وقال أبو محمَّدٍ بن حزمٍ (٢): الصَّواب الذي لا شكَّ فيه أنَّها كانت مُصعِدةً من مكَّة وهو منهبطٌ؛ لأنَّها تقدَّمت إلى العمرة وانتظرها - صلى الله عليه وسلم - حتَّى جاءت، ثمَّ نهض إلى طواف الوداع، فلقيها منصرفةً إلى المحصَّب عن مكَّة.

وهذا لا يصحُّ، فإنَّها قالت: وهو منهبطٌ منها، وهذا يقتضي أن يكون بعد المحصَّب والخروجِ من مكَّة، فكيف يقول أبو محمد: إنَّه نهض إلى طواف الوداع وهو منهبطٌ من مكَّة؟ هذا محالٌ. وأبو محمد لم يحجَّ. وحديث القاسم عنها صريحٌ كما تقدَّم في أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتظرها في منزله بعد النَّفْر حتَّى جاءت، فارتحل وأذِن للنَّاس بالرَّحيل. فإن كان حديث الأسود هذا محفوظًا فصوابه: لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مُصعِدةٌ من مكَّة وهو منهبطٌ إليها، فإنَّها طافت وقضت عمرتها، ثمَّ أصعدتْ لميعاده، فوافتْه (٣) وهو قد أخذ في الهبوط إلى مكَّة للوداع، فارتحل وأذَّن في النَّاس بالرَّحيل. ولا وجهَ لحديث الأسود غير هذا.


(١) ك: «قوله».
(٢) في «حجة الوداع» (ص ٢٢٣).
(٣) ك: «فوافقته».