للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك القدر، فإنَّ القدر يُدفَع بعضُه ببعضٍ، كما يُدفَع قَدَرُ المرض بالدَّواء، وقَدَرُ الذُّنوب بالتَّوبة، وقَدَرُ العدوِّ بالجهاد، وكلاهما من القدر.

قيل: هذا حقٌّ، ولكنَّ هذا ينفع قبل وقوع القدر المكروه، فأما إذا وقع فلا سبيلَ إلى دفعه، وإن كان له سبيلٌ إلى دفعه أو تخفيفه بقدرٍ آخر فهو أولى به من قوله: لو كنتُ فعلتُ، بل وظيفته في هذه الحال أن يستقبل فعلَه الذي يَدفع به أو يُخفِّف، لا يتمنَّى (١) ما لا مَطمعَ في وقوعه، فإنَّه عجزٌ محضٌ، والله يلوم على العجز، ويحبُّ الكَيْسَ ويأمر به، والكَيسُ: هو مباشرة الأسباب الَّتي ربطَ الله بها مُسبِّباتِها النَّافعة للعبد في معاشه ومعاده، فهذه تفتح عمل الخير والأمر، وأمَّا العجز فإنَّه يفتح عمل الشَّيطان، فإنَّه إذا عَجَزَ عمَّا ينفعه، وصار إلى الأمانيِّ الباطلة بقوله: لو كان كذا، ولو فعلتُ كذا= انفتحَ عليه عملُ الشَّيطان، فإنَّ بابه العجزُ والكَسَلُ، ولهذا استعاذ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - منهما (٢)، وهما مفتاحُ كلِّ شرٍّ، ويَصدُر عنهما الهمُّ والحزن، والجبن والبخل، وضلَعُ الدَّين وغلبةُ الرِّجال، فمصدرها كلُّها عن العجز والكسل، وعنوانها «لو»، فلذلك قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فإنَّ لو تفتحُ عملَ الشَّيطان»، فإنَّ المتمنِّي (٣) من أعجز النَّاس وأفلسِهم، فإنَّ المُنَى رأس أموال المفاليس، والعجز مفتاح كلِّ شرٍّ.


(١) «لا يتمنى» ليست في ك. وفي المطبوع: «أو يخفف أثر ما وقع ولا يتمنى» خلاف النسخ.
(٢) يشير إلى حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُكثر أن يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال». رواه البخاري (٢٨٩٣).
(٣) ك: «والمتمني».