للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالهمُّ والحزن لا ينفعان العبد البتَّةَ، بل مضرَّتهما أكثر من منفعتهما، فإنَّهما يُضعِفان العزم، ويُوهِنان القلب، ويَحُولان بين العبد وبين الاجتهاد فيما ينفعه، ويقطعان عليه طريقَ السَّير، أو يُنَكِّسانِه إلى وراء، أو يَعُوقانِه ويَقِفَانِه، أو (١) يَحْجُبانِه عن العلم الذي كلَّما رآه شَمَّر إليه وجَدَّ في سيرِه، فهما حِمْلٌ ثقيلٌ على ظهر السَّائر، بل إن عاقَه الهمُّ والحزنُ عن شهواته وإراداته الَّتي تضرُّه في معاشه ومعاده انتفع به من هذا الوجه. وهذا من حكمة العزيز الحكيم أن سلَّط هذين الجندين على القلوب المُعرِضة عنه، الفارغة من محبَّته وخوفِه ورجائه والإنابةِ إليه والتَّوكُّلِ عليه والأنس به والفرارِ إليه والانقطاع إليه؛ ليردَّها (٢) بما يبتليها به من الهموم والغموم والأحزان والآلام القلبيَّة، عن كثيرٍ من معاصيها وشهواتها المُرْدِية.

وهذه القلوب في سجنٍ من الجحيم في هذه الدَّار، وإن أُرِيد بها خيرٌ كان حظُّها من سجن الجحيم في معادها، ولا تزال في هذا السِّجن حتَّى تتخلَّص إلى فضاء التَّوحيد، والإقبالِ على اللَّه، والأنسِ به، وجَعْلِ محبَّته في محلِّ دَبيبِ خواطرِ القلب ووساوسه، بحيث يكون ذِكرُه تعالى وحبُّه، وخوفه ورجاؤه، والفرحُ به والابتهاجُ بذكره= هو المستولي على القلب، الغالب عليه، الذي متى فقدَه فقَدَ قُوْتَه الذي لا قِوامَ له إلا به، ولا بقاءَ له بدونه، ولا سبيلَ إلى خلاص القلب من هذه الآلام الَّتي هي أعظمُ أمراضه وأفسدُها له إلا بذلك، ولا بلاغَ إلا بالله وحده، فإنَّه لا يُوصِل إليه إلا هو، ولا يأتي


(١) «يقفانه أو» ساقطة من ك.
(٢) ص، ج، ك: «ليرد».