للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعليها، ويدخل في هذا إنصافه نفسه من نفسه، فلا يدَّعي لها ما ليس لها، ولا يُخفيها (١) بتَدْسِيَتِه لها، وتصغيرِه إيَّاها، وتحقيرِها بمعاصي الله، ويُنمِّيها ويُكبِّرها ويَرفَعُها بطاعة الله وتوحيده، وحبِّه وخوفه ورجائه، والتَّوكُّل عليه والإنابة إليه (٢)، وإيثارِ مَراضِيه ومَحابِّه على مَراضي الخلقِ ومَحابِّهم، ولا يكون بها مع الخلق ولا مع الله، بل يَعزِلُها من البين (٣) كما عَزَلَها اللَّه، ويكون بالله لا بنفسه في حبِّه وبغضه، وعطائه ومنعه، وكلامه وسكوته، ومدخله ومخرجه، فيُنْجِي نفسَه من البين، ولا يرى لها مكانةً يعمل عليها (٤)، فيكون ممَّن ذمَّهم الله بقوله: {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [الأنعام: ١٣٥].

فالعبد المحض ليس له مكانةٌ يعمل عليها، فإنَّه يستحقُّ المنافع (٥) والأعمال لسيِّده، ونفسه مِلْكٌ له، فهو عاملٌ على أن يؤدِّي إلى سيِّده ما هو مستحقٌّ له عليه (٦)، ليس له مكانةٌ أصلًا، بل قد كُوتِب على حقوقٍ مُنَجَّمةٍ، كلَّما أدَّى نَجْمًا حلَّ عليه نجمٌ آخر، ولا يزال المُكاتَب عبدًا ما بقيَ عليه شيءٌ من نجوم الكتابة.

والمقصود أنَّ إنصافه من نفسه يُوجِب عليه معرفةَ ربِّه وحقِّه عليه، ومعرفةَ نفسِه وما خُلِقَتْ له، وأن لا يزاحمَ بها مالكها وفاطرها، ويدَّعيَ لها


(١) ج: «يخيبها».
(٢) «وحبه ... إليه» ليست في ق، ب، ك، م، مب. والمثبت من بقية النسخ.
(٣) ك: «البغي» هنا وفيما يأتي.
(٤) «عليها» ليست في ك.
(٥) ك: «مستحق للمنافع».
(٦) ص، ج: «عليه له».