للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ كيف يُنصِف غيرَه من لم يُنصِف نفسَه، وظَلَمَها أقبحَ الظُّلم، وسَعى في ضررها أعظمَ السَّعي، ومَنعَها أعظمَ لذَّاتها من حيث ظنَّ أنَّه يعطيها إيَّاها، وأتعبَها كلَّ التَّعب وأشقاها كلَّ الشَّقاء من حيث ظنَّ أنَّه يُرِيحها ويُسعِدها، وجَدَّ كلَّ الجِدِّ (١) في حرمانها حظَّها من اللَّه وهو يظنُّ أنَّه يُنِيلُها حظوظَها، ودَسَّاها كلَّ التَّدسية وهو يظنُّ أنَّه يُكبِّرها ويُنمِّيها، وحَقَّرها كلَّ التَّحقير وهو يظنُّ أنَّه يُعظِّمها، فكيف يُرجى الإنصافُ ممَّن هذا إنصافه لنفسه؟

إذا كان هذا فِعْلَ عبدٍ بنفسه ... فماذا تَراه بالأجانبِ يَفعلُ (٢)

والمقصود أنَّ قول عمار - رضي الله عنه -: «ثلاثٌ مَن جمعهنَّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السَّلام للعالم، والإنفاق من الإقتار» كلامٌ جامعٌ لأصول الخير وفروعه.

وبذل السَّلام للعالم يتضمَّن تواضعَه، وأنَّه لا يتكبَّر على أحدٍ، بل يَبذُل السَّلام للصَّغير والكبير، والشَّريف والوضيع، ومن يعرفه ومن لا يعرفه. والمتكبِّر ضدُّ هذا، فإنَّه لا يردُّ السَّلام على كلِّ من (٣) سلَّم عليه كِبْرًا منه وتِيهًا، فكيف يَبذُل السَّلامَ لكلِّ أحدٍ؟

وأمَّا الإنفاق من الإقتار فلا يَصدُر إلا عن قوَّة ثقةٍ باللَّه، وأنَّ الله يُخلِف ما أنفقه، وعن قوَّة يقينٍ وتوكُّلٍ ورحمةٍ، وزهدٍ في الدُّنيا، وسخاء نفسٍ بها، ووُثوقٍ بوعدِ من وعدَه مغفرةً منه وفضلًا، وتكذيبٍ بوعدِ مَن يَعِدُه الفقرَ


(١) ج: «الجهد».
(٢) لم أجد البيت في المصادر، ولعله للمؤلف. وقد كُتب في المطبوع بصورة نثر.
(٣) ك: «كل أحد».