للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأرشدَ من بُلِيَ بشيءٍ من وسوسة التَّسلسل في الفاعلين، إذا قيل له: هذا الله خلقَ الخلْقَ، فمَن خلقَ اللَّه؟ أن يقرأ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (١) [الحديد: ٣].

وكذلك قال ابن عبَّاسٍ لأبي زُمَيل (٢) وقد سأله (٣): ما شيءٌ أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله لا أتكلَّمُ به. قال فقال لي: أشيءٌ من شكٍّ؟ قلت: بلى، فقال لي: ما نجا من ذلك أحدٌ (٤)، فإذا وجدتَ في نفسك شيئًا فقلْ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (٥).

فأرشدهم بهذه الآية إلى بطلان التَّسلسل الباطل ببديهة العقل، وأنَّ سلسلة المخلوقات في ابتدائها (٦) تنتهي إلى أوَّلٍ ليس قبله شيءٌ، كما تنتهي في آخرها إلى آخرٍ ليس بعده شيءٌ، كما أنَّ ظهوره هو العلوُّ الذي ليس فوقه فيه شيءٌ، وبطونه هو الإحاطة الَّتي لا يكون دونه فيها شيءٌ، ولو كان قبله شيءٌ يكون مؤثِّرًا فيه لكان ذلك هو الرَّبَّ الخلَّاق، ولا بدَّ أن ينتهي الأمر إلى


(١) أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (١١٧) من حديث ابن عمر وأبي سعيد مرفوعًا نحوه، وإسناده ضعيف جدًّا.
(٢) بعدها في المطبوع: «سماك بن الوليد الحنفي». وليست في النسخ.
(٣) ك: «قال له».
(٤) بعدها في المطبوع: «حتى أنزل الله عز وجل: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}، قال: فقال لي». وليست في النسخ.
(٥) رواه أبو داود (٥١١٠)، ومن طريقه البيهقي في «الدعوات الكبير» (٦١٣)، وحسنه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (٢/ ٢٦٩).
(٦) «في ابتدائها» ليست في ك.