للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خالقٍ غير مخلوقٍ، غنيٍّ عن غيره، وكلُّ شيءٍ فقيرٌ إليه، قائمٍ بنفسه، وكلُّ شيءٍ قائمٌ به، موجودٍ بذاته، وكلُّ شيءٍ موجودٌ به، قديمٍ لا أوَّلَ له، وكلُّ ما سواه فوجوده بعد عدمه، باقٍ بذاته، وبقاءُ كلِّ شيءٍ به (١)، فهو الأوَّل الذي ليس قبله شيءٌ، الآخِرُ الذي ليس بعده شيءٌ، الظَّاهر الذي ليس فوقه شيءٌ، الباطن الذي ليس دونه شيءٌ.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزالُ النَّاس يتساءلون حتَّى يقول قائلهم: هذا الله (٢) خلقَ الخلْقَ، فمن خلقَ اللَّه؟ فمن وجد من ذلك شيئًا فلْيستعِذْ بالله ولْينتهِ» (٣). وقد قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: ٣٦].

ولمَّا كان الشَّيطان نوعين: نوعًا يُرى عيانًا وهو شيطان الإنس، ونوعًا لا يُرى وهو شيطان الجنِّ، أمر سبحانه نبيَّه أن يكتفيَ شرَّ شيطان الإنس بالإعراض عنه، والعفوِ، والدَّفعِ بالَّتي هي أحسن، ومن شيطان الجنِّ بالاستعاذة بالله منه (٤)، وجمعَ بين النَّوعين في سورة الأعراف وسورة المؤمنين وسورة فصِّلت، والاستعاذة والقراءة والذِّكر أبلغُ في دفع شياطين الجنِّ، والعفو والإعراض والدَّفع بالإحسان أبلغُ في دفع شرِّ شياطين الإنس.

فما هو إلا الاستعاذةُ ضارِعًا ... أو الدَّفعُ بالحُسنى هما خيرُ مطلوبِ


(١) «به» ليست في ك.
(٢) بعده في ص: «الذي». وليس في بقية النسخ والرواية.
(٣) رواه البخاري (٣٢٧٦) ومسلم (١٣٤/ ٢١٢، ٢١٤) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٤) بعدها في المطبوع: «والعفو»، وليست في النسخ.