للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكيف يفرُّ المرء عنه بذنبه ... إذا كان يَطوي في يديه المراحلا (١)؟ (٢)

فمن آمن بالرسل وأطاعهم عاداه أعداؤهم وآذَوه فابتُلي بما يؤلمه، وإن لم يؤمن بهم ولم يُطِعْهم عوقب في الدنيا والآخرة فحصل له ما يؤلمه، وكان هذا المؤلم أعظمَ وأدومَ من ألم اتِّباعهم. فلا بد من حصول الألم لكلِّ نفسٍ آمنت أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداءً ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والمُعْرِض عن الإيمان تحصل له اللذةُ ابتداءً ثم يصير في الألم الدائم.

وسئل الشافعي: أيما أفضل للرجل أن يُمكَّن أو يُبتلى؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يبتلى. والله عز وجل ابتلى أولي العزم من رُسُله، فلما صبروا مكَّنهم، فلا يظنَّ أحد أنه يَخْلُص من الألم البتة، وإنما تفاوَت أهلُ الآلام في العقول (٣)، فأعقلهم من باع ألمًا مستمرًّا عظيمًا بألمٍ منقطع يسير، وأسْفَهُهم (٤) من باع الألمَ المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمر.


(١) ص، ز، المطبوع: «تُطوى ... المراحلُ»، والمثبت من سائر النسخ موافق للمصادر الآتية.
(٢) البيت لأبي العرب الصقلِّي (ت ٥٠٦) باختلاف يسير في «تاريخ الإسلام» (١١/ ٨٣) و «فوات الوفيات» (٤/ ١٤٥). وقد أنشده المؤلف أيضًا في «طريق الهجرتين» (١/ ٢٧١).
(٣) ك، ع: «بالعقول».
(٤) ج: «أسعدهم». ن، المطبوع: «أشقاهم»، وكلاهما تصحيف.