للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: كيف يختار العقل (١) هذا؟ قيل: الحامل له على هذا النَّقْدُ والنسيئة، والنفسُ مُوكَّلة (٢) بالعاجل؛ {كَلَّا بَلْ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَيَذَرُونَ الْآخِرَةَ} (٣) [القيامة: ٢٠ - ٢١]، {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان: ٢٧]. وهذا يحصل لكل أحد، فإن الإنسان مدنيٌّ بالطبع لا بد له أن يعيش مع الناس (٤)،

والناس لهم إرادات وتصوُّرات، فيطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب، تارةً منهم وتارةً من غيرهم، كمن عنده دِين وتُقًى حلَّ بين قوم فُجَّار ظَلَمة ولا يتمكنون من فجورهم وظُلْمهم إلا بموافقته لهم أو سكوته عنهم، فإن وافقهم أو سكت عنهم سَلِم من شرِّهم في الابتداء، ثم يتسلَّطون عليه بالإهانة والأذى أضعافَ ما كان يخافه ابتداءً لو أنكر عليهم وخالفهم، وإن سلم منهم فلا بُدَّ أن يُهان ويُعاقَب على يد غيرهم، فالحزمُ كلُّ الحزم في الأخذ بما قالت أم المؤمنين لمعاوية: من أرضى اللهَ بسخط الناس كفاه الله


(١) المطبوع: «العاقل»، والمثبت من الأصول. وزِيد في ص، ز بعده: «لِفعل»، ومنشؤه أنه أولًا تصحَّف «العقل» إلى «لِفعل» في ص، ثم ألحقت كلمة «العقل» مصحَّحًا عليها في الهامش دون الضرب على التصحيف في الصُّلب. ولعله عنها نسخت الكلمتان معًا في نسخة ز.
(٢) أي: النفس مجبولة على حب العاجل وإيثاره. واستعمال «موكَّل» بهذا المعنى له نظائر في كتب المؤلف. انظر: «مدارج السالكين» (٢/ ٤٧٠) وتعليقي عليه. وانظر: «تكملة المعاجم» لدوزي (١١/ ٢٠٥).
(٣) كذا في ص، ج، ز، ع بالياء في الفعلين، وهي قراءة أبي عمرو التي كانت سائدة في الديار الشامية في زمن المؤلف، ورواية حفص عن عاصم بالتاء فيهما.
(٤) ك، ع: «بالناس» ..