للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم بلغهم أن قريشًا قد كفُّوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجعوا، فلما كانوا دون مكة بساعةٍ من نهار بلغهم أن قريشًا أشدُّ ما كانوا عداوةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل من دخل منهم بجوارٍ. وفي تلك المرة دخل ابنُ مسعودٍ فسلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فلم يردَّ عليه (١)، فتعاظم ذلك على ابن مسعود حتى قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله قد أحدث مِن أمره أن لا تَكلَّموا في الصلاة» (٢).

هذا هو الصواب، وزعم ابنُ سعد (٣) وجماعة أن ابن مسعود لم يدخل، وأنه رجع إلى الحبشة حتى قدم في المرة الثانية إلى المدينة مع من قدم. ورُدَّ هذا بأن ابن مسعود شهد بدرًا وأَجْهَزَ على أبي جهل (٤)، وأصحابُ هذه الهجرة إنما قدموا المدينة مع جعفرٍ وأصحابه بعد بدر بأربعِ سنين أو خمسٍ (٥).

قالوا: فإن قيل: بل هذا الذي ذكره ابن سعد يوافق قولَ زيد بن أرقم: «كنا نقوم في الصلاة فيكلِّم الرجلُ جليسَه حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨]، فأُمِرْنا بالسكوت ونُهِينا عن الكلام» (٦). وزيد بن أرقم من


(١) «عليه» ساقطة من ص، ج، ز، ن.
(٢) أخرجه أحمد (٣٥٧٥) وأبو داود (٩٢٤) وابن حبان (٢٢٤٣)، وعلّقه البخاري عن ابن مسعود مجزومًا به في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي}.
(٣) في «الطبقات» (١/ ١٧٥) فيما أسنده عن شيخه الواقدي عن محمد بن عبد الله (ابن أخي الزهري)، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مرسلًا.
(٤) كما في البخاري (٣٩٦١، ٣٩٦٢) من حديث ابن مسعود وأنس، وسيأتي مفصلًا في أحداث الغزوة.
(٥) وذلك حين افتتح النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر، كما في البخاري (٤٢٣٠) من حديث أبي موسى الأشعري.
(٦) أخرجه البخاري (١٢٠٠، ٤٥٣٤) ومسلم (٥٣٩) بنحوه.