للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُؤوي ولم يرَ ناصرًا، وآذوه مع ذلك أشدَّ الأذى ونالوا منه ما لم ينله قومه. وكان معه زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم عشرة أيامٍ لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه (١) وكلَّمه، فقالوا: اخرج من بلدنا، وأغرَوا به سفهاءَهم، فوقفوا له سِماطَين وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دَمِيَتْ قدماه، وزيدُ بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شِجاج في رأسه، فانصرف راجعًا من الطائف إلى مكة محزونًا.

وفي مرجعه ذلك دعا بالدعاء المشهور دعاءِ الطائف: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقِلَّة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يتجهَّمني (٢)؟ أو إلى عدو ملَّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، غيرَ أنَّ عافيتك هي (٣) أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلماتُ وصَلَح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو ينزلَ بي سخطُك؛ لك العُتْبى (٤) حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك» (٥).


(١) ز: «حاجَّه».
(٢) م، ق، ب: «يتهجَّمنِي»، تصحيف. ومعنى «يتجهَّمني»: يلقاني بالغلظة.
(٣) «هي» ساقطة من م، ق، ب، ك، ع.
(٤) أي إليك أتوب فأرجع عمّا تكره إلى ما تحب، فالعُتبى اسم من الإعتاب، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يُرضي العاتب، تقول: عتبتُ عليه (أو: عاتبته) فأعتبني، أي ترك ما عتبتُ عليه من أجله ورجع إلى ما يُرضيني عنه. انظر: «تهذيب اللغة» (عتب).
(٥) رواه ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (١/ ٤١٩ - ٤٢٢) و «تاريخ الإسلام» للذهبي (١/ ٦٤٦) و «تفسير ابن كثير» (الأحقاف: ٢٩) ــ عن يزيد بن زياد (في التفسير: يزيد بن رومان، ولعله تصحيف)، عن محمد بن كعب القُرظي مرسلًا.
ورواه بعضهم عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر - رضي الله عنه - موصولًا، أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٤/ ١٣٩) ومن طريقه الضياء في «المختارة» (٩/ ١٧٩ - ١٨١). وهو غريب، والصحيح عن ابن إسحاق الإسناد الأول مرسلًا.