للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملَكَ الجبال يستأمره أن يُطبِق الأخشَبَين على أهل مكة ــ وهما جبلاها اللذان هي بينهما ــ، فقال: «بل أستأني بهم، لعل الله يُخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئًا» (١).

فلما نزل بنخلةَ (٢) في مرجعه قام يصلي من الليل، فصرف الله إليه نفرًا من الجن فاستمعوا قراءته، ولم يشعر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل عليه: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف: ٢٩ - ٣٢] (٣).


(١) أخرجه البخاري (٣٢٣١) ومسلم (١٧٩٥) من حديث أم المؤمنين عائشة بلفظ: «بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا».
(٢) هما نخلتان الشامية واليمانية، والمراد هنا اليمانية، وهي وادٍ على الطريق بين مكة والطائف. انظر: «معجم ما استعجم» للبكري (٤/ ١٣٠٤) و «المعالم الجغرافية في السيرة» للبلادي (ص ٣١٧).
(٣) قصة استماع الجن في تلك الليلة جزء من مرسل محمد بن كعب القرظي. وفيه نظر، إذ هو مخالف لحديث ابن عباس عند البخاري (٧٧٣) ومسلم (٤٤٩) أن الجنَّ استمعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنخلة وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر في طريقه - صلى الله عليه وسلم - إلى سوق عُكاظ. وفي حديثه أيضًا ما يدل على أن استماعهم كان في ابتداء الإيحاء، بخلاف خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف فإنه كان بعد موت عمه وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين. انظر: «تفسير ابن كثير» (الأحقاف: ٢٩).