للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا ينبغي أن يُجرى أهلُ الذمة كما صرح به الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد وغيرِهم.

وخالفهم أصحاب الشافعي فخصُّوا نقضَ العهد بمن نقضه خاصةً دون من رضي به وأقرَّ عليه، وفرَّقوا بينهما (١) بأن عقد الذمة أقوى وآكد، ولهذا كان موضوعًا على التأبيد بخلاف عقد الهدنة والصلح.

والأولون يقولون: لا فرق بينهما، وعقدُ الذمة لم يوضع للتأبيد، بل بشرط استمرارهم ودوامهم على التزام ما فيه، فهو كعقد الصلح الذي وُضع للهدنة بشرط التزامهم أحكام ما وقع عليه العقد.

قالوا: والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقِّت عقدَ الصلح والهدنة بينه وبين اليهود لمَّا قَدِم المدينة، بل أطلقه ما داموا كافِّين عنه غيرَ محاربين له، فكانت تلك ذمَّتَهم غيرَ أن الجزية لم يكن نزل فرضُها بعدُ، فلما نزل فرضها ازداد ذلك إلى الشروط المشترطة في العقد، ولم يتغيَّر (٢) حكمُه وصار مقتضاه التأبيد؛ فإذا نقض بعضهم العهد، وأقرَّهم الباقون ورضوا بذلك، ولم يُعْلِموا به المسلمين صاروا في ذلك كنقض أهل العهد، فأهل العهد والصلح سواءٌ في هذا المعنى، ولا فرق بينهما فيه وإن افترقا من وجه آخر.

يوضح هذا: أن المُقرَّ والراضيَ الساكت إن كان باقيًا على عهده وصلحه لم يَجُز قتاله ولا قتله (٣) في الموضعين، وإن كان بذلك خارجًا عن عهده


(١) أي بين المُصالحين وبين أهل الذمة. وفي ز، ع: «بينهم».
(٢) ص، ج، ن: «يغير».
(٣) «ولا قتله» سقط من ص، ز، ع. ثم استُدرك في ز، ع بخط مغاير.