للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصلحه راجعًا إلى حاله الأولى قبل العهد والصلح لم يفترق الحال بين عقد الهُدنة وعقد الذمة في ذلك، فكيف يكون عائدًا إلى حاله في موضع دون موضع؟! هذا أمر غير معقول.

يوضِّحه: أن تجدُّدَ أخذِ الجزية منه لا (١) يوجب له أن يكون مُوفيًا بعهده مع رضاه وممالأتِه ومواطأتِه لمن نقض، وعدمَ الجزية يوجب له أن يكون ناقضًا غادرًا غير مُوفٍ بعهده= هذا بين الامتناع.

فالأقوال ثلاثة: النقض في الصورتين وهو الذي دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكفار، وعدمُ النقض في الصورتين وهو أبعد الأقوال عن السنة، والتفريقُ بين الصورتين؛ والأول (٢) أصوبها. وبالله التوفيق.

وبهذا القول أفتينا وليَّ الأمر لما أحرق النصارى أموالَ المسلمين بالشام ودُورَهم، وراموا حَرْقَ جامعهم الأعظم حتى أحرقوا منارته، وكاد ــ لولا دفاع الله ــ أن يحترقَ كلُّه (٣)، وعلم بذلك من علم من النصارى وواطأوا عليه وأقرُّوه ورضُوا به ولم يُعْلِموا به ولي الأمر، فاستفتى فيهم وليُّ الأمر من حضره من الفقهاء، وأفتيناه بانتقاض عهد من فعل ذلك أو أعان عليه بوجهٍ من الوجوه أو رضي به وأقر عليه، وأن حدَّه القتلُ حتمًا، ولا يُخيَّر الإمام فيه كالأسير، بل صار القتل له حدًّا، والإسلامُ لا يُسقط القتلَ إذا كان حدًّا ممن هو تحت الذمة ملتزمًا لأحكام الملّة (٤)؛ بخلاف الحربي إذا أسلم، فإن


(١) كذا في جميع الأصول، والمعنى يستقيم بحذف «لا»، لأنه ليس تقريرًا للمسألة بل توضيح لقول الخصم، وقد أبطله في آخره بقوله: «هذا بين الامتناع».
(٢) أي القول الأول. وفي م، ق، ب، المطبوع: «والأولى»، خطأ.
(٣) وذلك في سنة ٧٤٠. انظر: «البداية والنهاية» (١٨/ ٤١٤).
(٤) ع: «الأمّة». المطبوع: «لأحكام الله».