للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أذهبته النفقات والحروب، فقال: «العهد قريب، والمال أكثر من ذلك»، وقد كان حُيَيٌّ قُتل مع بني قريظة لما دخل معهم، فدفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمَّه (١) إلى الزبير ليستقرَّه (٢)، فمسَّه بعذاب، فقال: قد رأيتُ حُيَيًّا يطوف في خِربةٍ هاهنا، فذهبوا فطافوا فوجدوا المَسْك في الخربة (٣).

فقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنَي أبي الحقيق، أحدُهما زوجُ صفية بنتِ حُيَيِّ بنِ أخطب، وسبى نساءهم وذراريَّهم، وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم من خيبر فقالوا: دَعْنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم؛ ولم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا لأصحابه غِلمان يكفونهم مُؤنتها، فدفعها إليهم على أنَّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشطرَ من كل شيءٍ يخرج منها من ثمرٍ أو زرع ولهم الشطر، وعلى أن يُقرَّهم فيها ما شاء.

ولم يَعُمَّهم بالقتل كما عمَّ قريظةَ لاشتراك أولئك في نقض العهد. وأما هؤلاء، فالذين عَلِموا بالمَسْك وغيَّبوه وشرطوا له أنه إن ظهر فلا ذمةَ لهم ولا عهد، قَتَلهم بشرطهم على أنفسهم، ولم يتعدَّ ذلك إلى سائر أهل خيبر، فإنه معلوم قطعًا أن جميعهم لم يعلموا بمسك حُيَيٍّ وأنه مدفون في خِربة، فهذا نظير الذمي أو المعاهد إذا نقض العهدَ ولم يمالئه عليه غيرُه، فإن حكم


(١) «عمَّه» سقط من م، ق، ب، ث.
(٢) م، ق، ب، ث: «يستقرُّه» دون اللام. والمعنى: ليسأله الإقرار وليجعله يُقرّ. ولم أجده في المعاجم بهذا المعنى، وقد استعمله المؤلف أيضًا في «الطرق الحكمية» (١/ ١٠٧)، وابنُ كثير في «البداية والنهاية» (١٤/ ٢٦٠، ٣١٢). وانظر: «تكملة المعاجم» لدُوزي (٨/ ٢٠٧).
(٣) سيأتي الخبر (ص ٣٨٨) مطوَّلًا في «فصل في غزوة خيبر»، وثَمَّ تخريجه.