للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آخر ما نزل من القرآن، وقد حكم بموجَبِها أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده كأبي موسى الأشعري (١) وأقرَّه الصحابة.

ومن هذا أيضًا ما حكاه (٢) الله سبحانه في قصة يوسف من استدلال الشاهد بقرينةِ قدِّ القميص من دُبُرٍ على صدقه وكذبِ المرأة وأنه كان هاربًا مولِّيًا فأدركته المرأة من ورائه فجبذته فقدَّت قميصَه من دبر، فعَلِمَ بعلُها والحاضرون صِدْقَه وقَبِلوا هذا الحكم، وجعلوا الذنبَ لها وأمروها بالتوبة؛ وحكاه الله سبحانه حكاية مُقرِّرٍ له غيرَ منكرٍ.

والتأسي بهذا (٣) وأمثاله في إقرار الله له وعدمِ إنكاره، لا في مجرد حكايته، فإنه إذا أخبر به مُقِرًّا (٤) عليه أو مُثْنيًا على فاعله مادحًا له دلَّ على رضاه به وأنه موافِقٌ لحكمه ومرضاته، فليُتدبَّرْ هذا الموضع فإنه نافع جدًّا. ولو تتبَّعنا ما في القرآن والسنة وعملِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من ذلك لطال، وعسى أن نُفرد فيه مصنفًا شافيًا إن شاء الله (٥).

والمقصود: التنبيه على هديه واقتباس الأحكام من سيرته ومغازيه ووقائعه صلوات الله وسلامه عليه.

ولمَّا أقرَّهم في الأرض كان يبعث كل عام مَن يخرص عليهم الثمار


(١) أخرجه أبو داود (٣٦٠٥) والطبري (٩/ ٧٧، ٧٨) والدارقطني (٤٣٤١) والحاكم (٢/ ٣١٤) من طريقين عن أبي موسى. وصححه الحافظ في «الفتح» (٥/ ٤١٢).
(٢) م، ق، ب، ث: «حكى».
(٣) ج، ن: «بذلك».
(٤) ص، ج، ن: «مقرِّرًا»
(٥) ولعله: «الطرق الحكمية في السياسة الشرعية»، وهو مطبوع.