- وقسمًا لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأمره أن يؤجِّلَهم أربعةَ أشهر، فإذا انسلخت قاتلهم، وهي الأشهر الأربعة المذكورة في قوله:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}[التوبة: ٢]، وهي الحُرُم المذكورة في قوله: {الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: ٥]، فالحُرُم هاهنا: هي أشهر التسيير (١)، أوَّلُها: يوم الأذان وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم الحج الأكبر الذي وقع فيه التأذين بذلك، وآخرها: العاشر من ربيع الآخر.
وليست هي الأربعة المذكورة في قوله:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة: ٣٦]، فإن تلك واحدٌ فرد وثلاثةٌ سرد: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم؛ ولم يُسيِّر المشركين في هذه الأربعة، فإن هذا لا يمكن لأنها غير متوالية، وهو إنما أجَّلهم أربعةَ أشهرٍ ثم أمره بعد انسلاخها أن يقاتِلهم فقاتَل الناقضَ لعهده، وأجَّلَ من لا عهد له أو له عهد مطلق أربعةَ أشهرٍ، وأمره أن يُتمَّ للموفي بعهده عهدَه إلى مدته، فأسلم هؤلاء كلُّهم ولم يُقيموا على كفرهم إلى مدتهم، وضرب على أهل الذمة الجزية.
فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول (براءة) على ثلاثة أقسام: محاربين له، وأهل عهد، وأهل ذمة؛ ثم آلت حالُ أهل العهد والصلح إلى الإسلام، فصاروا معه قسمين: محارِبين وأهلَ ذمة، والمحاربون له خائفون منه؛ فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلم مؤمن به، ومسالم له آمن، وخائف محارب.
(١) أي «التي سيَّر اللهُ فيها المشركين في الأرض يأمنون فيها»، كما سيأتي في كلام المؤلف (ص ٤٧٣).