للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنِّعَم والمصائب؛ فهذه لون، وفتنة المشركين لون، وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لونٌ آخر.

والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام، كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب عليٍّ ومعاويةَ، وبين أهل الجمل وصِفِّين، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا ويتهاجروا (١) = لون آخر، وهي التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ستكون فتنة: القاعدُ فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي» (٢). وأحاديث الفتنة التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها باعتزال الطائفتين هي هذه الفتنة.

وقد تأتي الفتنة مرادًا بها المعصية، كقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي}، يقوله الجَدُّ بن قَيس لمَّا ندبه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك، يقول: ايذن لي في القعود ولا تفتنِّي بتعرُّضي لبنات الأصفر، فإني لا أصبر عنهن (٣)، قال تعالى: {أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: ٤٩]، أي: وقعوا في فتنة النفاق وفرُّوا إليها من فتنة بنات الأصفر.

والمقصود: أن الله سبحانه حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، ولم يُبَرِّئ أولياءَه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشهر الحرام، بل أخبر أنه كبير وأنَّ ما عليه أعداؤُه المشركون أكبرُ وأعظمُ من مجرَّدِ القتال في الشهر


(١) ص، د: «أو يتهاجروا». ع: «تقاتلوا وتهاجروا».
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٠١) ومسلم (٢٨٨٦) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) انظر: «تفسير الطبري» (١١/ ٤٩١ - ٤٩٣). وقال ابن عبد البر: وقد قيل إنه تاب فحسنت توبته، والله أعلم. «الاستيعاب (١/ ٢٦٧).