للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهلُه منه، والشركِ الذي أنتم عليه، والفتنةِ التي حصلت منكم به= أكبرُ عند الله من قتالهم في الشهر الحرام. وأكثر السلف فسروا الفتنة هاهنا بالشرك (١)، كقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣]. ويدلُّ عليه قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣]، أي: لم يكن مآلُ شركهم وعاقبتُه وآخرُ أمرهم إلا أن تبرؤوا منه وأنكروه. وحقيقتها: أنها الشرك الذي يدعو صاحبُه إليه ويقاتِلُ عليه ويعاقبُ من لم يفتتن به، ولهذا يقال لهم وقت عذابهم بالنار وفتنتهم بها: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذاريات: ١٤]، قال ابن عباس: تكذيبكم (٢)؛ وحقيقته: ذوقوا نهاية فتنتكم وغايتَها ومصيرَ أمرِها، كقوله: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر: ٢٤]، وكما فَتَنوا عباده على الشرك فُتِنوا على النار وقيل لهم: ذوقوا فتنتكم.

ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج: ١٠]، فُسِّرت الفتنةُ هاهنا بتعذيبهم المؤمنين وإحراقِهم إياهم بالنار، واللفظ أعمُّ مِن ذلك، وحقيقته: عَذَّبوا المؤمنين ليفتتنوا عن دينهم؛ فهذه الفتنة المضافة إلى المشركين.

وأما الفتنة التي يضيفها سبحانه إلى نفسه، أو يضيفُها رسوله إليه، كقوله: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الأنعام: ٥٣]، وقولِ موسى: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: ١٥٥] = فتلك بمعنًى آخر،


(١) كذا فسَّره جندب والسُّدِّي في حديثيهما، وبه فسَّره أيضًا ابن عبّاس وأبو مالك غزوان الغفاري. انظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٦٥٧ - ٦٥٨).
(٢) أسنده الطبري (٢٢/ ٤٠٥) من طريق العَوفيين عنه.