للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنزل الله عز وجل في تلك الليلة مطرًا واحدًا، فكان على المشركين وابلًا شديدًا منعهم من التقدُّم، وكان على المسلمين طلًّا طهَّرهم به وأذهب عنهم رجزَ (١) الشيطان، ووطَّأَ به الأرضَ وصلَّب الرمل وثبَّت الأقدامَ، ومهَّد به المنزل، وربط به على قلوبهم؛ فسبق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون إلى الماء، فنزلوا عليه شطرَ الليل وصنعوا الحياض، ثم غوَّروا ما عداها من المياه، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على الحياض.

وبُني لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عريشٌ يكون فيها على تَلٍّ يُشرف على المعركة. ومشى في موضع المعركة وجعل يشير بيده: «هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان إن شاء الله»، فما تعدَّى أحدٌ منهم موضعَ إشارته (٢).

فلما طلع المشركون وتراءى الجمعان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم هذه قريش جاءت بخُيلائها وفخرها، جاءت تحادُّك وتكذِّبُ رسولَك»، وقام ورفع يديه واستنصر ربَّه وقال: «اللهم أنجِزْ لي ما وعدتَني، اللهم إني (٣) أنشدك عهدَك ووعدَك»، فالتزمه الصدِّيق من ورائِه وقال: يا رسول الله، أبشِرْ فوالذي نفسي بيده ليُنْجِزَنَّ اللهُ لك ما وعدك (٤).


(١) النسخ المطبوعة: «رجس» خلافًا للأصول وللفظ الآية. ومعنى «رجز الشيطان»: وسوسته، كما فسّره مجاهد وغيره. انظر: «تفسير الطبري» (١١/ ٦٣ - ٦٧).
(٢) أخرجه مسلم (١٧٧٩، ٢٨٧٣) من حديث أنس وعمر - رضي الله عنهما -.
(٣) «إني» سقطت من ص، د، ز.
(٤) ذكره موسى بن عقبة كما في «الدلائل» للبيهقي (٣/ ١١٠). وذكره أيضًا ابنُ إسحاق ــ كما في «السيرة» لابن هشام (١/ ٦٢١) ــ والواقدي (١/ ٥٩) كلاهما دون قول أبي بكر. وكذا أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١/ ٨٤) عن هشام بن عروة دونه. وأخرجه الطبري (١١/ ٢١٩) أيضًا عن قتادة مقتصرًا على الجزء الأول: «اللهم إن قريشًا ... » بنحوه. وسيأتي مرّة أخرى مناشدة النبي - صلى الله عليه وسلم - ربَّه وموقف أبي بكر معه.