للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالقوة والعزيمة والإقدام، فلم يُستَشهدوا مدبرين مستكينين (١) أذلةً، بل استُشهِدوا أعزةً كرامًا مُقبلين غيرَ مُدبرين. والصحيح: أن الآية تتناول الفريقين كليهما.

ثم أخبر سبحانه عما استنصرت به الأنبياء وأممهم على قومهم مِن اعترافهم وتوبتهم (٢) واستغفارهم وسؤالِهم ربَّهم أن يثبِّت أقدامَهم وأن ينصرَهم على أعدائهم، فقال: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (١٤٧) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٤٧ - ١٤٨].

لمّا علم القومُ أن العدوَّ إنما يُدال عليهم بذنوبهم، وأن الشيطان إنما يستزِلُّهم ويهزمهم بها، وأنها نوعان: تقصيرٌ في حقٍّ أو تجاوزٌ لحدٍّ، وأن النصرة مَنُوطة بالطاعة= قالوا: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا}.

ثم علموا أن ربَّهم تبارك وتعالى إن لم يُثبِّت أقدامَهم وينصُرْهم لم يقدروا هم على تثبيت أقدامِ أنفُسِهم ونصرها على أعدائهم، فسألوه ما يعلمون أنه بيده دونهم، وأنه إن لم يُثبِّت أقدامَهم وينصُرْهم لم يثبتوا ولم ينتصروا، فوَفَّوا المقامين حقَّهما: مقامَ المقتضي، وهو التوحيد والالتجاء إليه سبحانه؛ ومقامَ إزالةِ المانع من النصرة، وهو الذنوب والإسراف.

ثم حذَّرهم سبحانه من طاعة عدوِّهم، وأخبر أنهم إن أطاعوهم خسروا


(١) م، ق، ب، ث: «مستسلمين».
(٢) «اعترافهم وتوبتهم» كذا في الأصل والمطبوع. وأخشى أن يكون تصحيفًا عن «اعترافهم بذنوبهم»، فهو الذي يلائم لفظَ الآية.