للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الواجب له عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده ويموتوا عليه أو يُقتَلوا، فإنهم إنما يَعبدون ربَّ محمدٍ وهو حي لا يموت، فلو مات محمد أو قُتِل لا ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن دينه وما جاء به، فكل نفس ذائقة الموت، وما بُعث محمد - صلى الله عليه وسلم - إليهم ليُخلَد لا هو ولا هم، بل ليموتوا على الإسلام والتوحيد، فإن الموت لا بد منه، فسواء مات رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أو بقي، ولهذا وبَّخهم على رجوعِ من رجع منهم عن دينه لمَّا صرخ الشيطان بأن محمدًا قد قتل، فقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: ١٤٤]، والشاكرون هم الذين عرفوا قدرَ النعمة فثبتوا عليها حتى ماتوا أو قتلوا، فظهر أثرُ هذا العتاب وحكمُ هذا الخطاب يومَ مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وارتدَّ من ارتد على عقبيه، وثبت الشاكرون على دينهم فنصرهم الله وأعزَّهم وظفرهم بأعدائهم وجعل العاقبة لهم.

ثم أخبر سبحانه أنه جعل لكل نفس أجلًا لا بد أن تستوفيَه ثم تلحقَ به، فيَرِدُ الناس كلُّهم حوضَ المنايا موردًا واحدًا وإن تنوعت أسبابه، ويَصْدُرون عن موقف القيامة مصادر شتَّى؛ فريق في الجنة وفريق في السعير.

ثم أخبر سبحانه أن جماعةً كثيرةً من أنبيائه قُتِلوا وقُتِل معهم أتباع لهم كثيرون (١)، فما وهن من بقي منهم لِما أصابهم في سبيله وما ضَعُفوا وما استكانوا. أو: ما وهنوا عند القتل ولا ضعفوا ولا استكانوا، بل تلقَّوا الشهادةَ


(١) يشير إلى قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} على قراءة أبي عمرو التي كانت سائدة في بلاد الشام زمن المؤلف.