للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ذكر حكمةً أخرى، وهي محق الكافرين بطغيانهم وبَغيهم وعُدوانهم.

ثم أنكر عليهم حُسبانهم وظنَّهم أن يدخلوا الجنة بدون الجهاد في سبيله والصبر على أذى أعدائه، وأن هذا ممتنع بحيث يُنكَر على من ظنَّه وحسبه، فقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: ١٤٢]، أي ولمَّا يقعْ ذلك منكم فيعلمَه، فإنه لو وقع لعَلِمه فجازاكم عليه بالجنة، فيكون الجزاءُ على الواقع المعلوم لا على مجرد العلم، فإن الله لا يَجزي العبدَ على مجرَّدِ علمه فيه دون أن يقع معلومه.

ثم وبَّخهم على هزيمتهم من أمر كانوا يتمنَّونه ويَوَدُّون لقاءَه، فقال: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: ١٤٣].

قال ابن عباس: لمّا أخبرهم الله تعالى على لسان نبيِّه بما فعل بشهداء بدرٍ من الكرامة رغبوا في الشهادة فتمنَّوا قتالًا يُستشهَدون فيه فيلحقون إخوانهم، فأراهم الله ذلك يومَ أحدٍ وسبَّبه لهم، فلم يلبثوا أن انهزموا إلا مَن (١) شاء الله منهم، فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (٢).

ومنها: أن وقعة أحد كانت مقدِّمةً وإرهاصًا بين يدي موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأَنَّبهم ووبَّخهم على انقلابهم على أعقابهم إن مات رسوله أو قُتِل، بل (٣)


(١) ق: «ما».
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (٣/ ٧٧٦) من طريق العوفيين عن ابن عباس بنحوه ــ والمؤلف صادر عن «زاد المسير» (١/ ٤٦٨) ــ. وروي عن مجاهد والسُّدِّي والربيع بن أنس نحوه. انظر: «تفسير الطبري» (٦/ ٩٤ - ٩٥).
(٣) م، ق، ب، ث: «إذ».