للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابه، بل أراد منهم أن لا يحملوا كلامَه على ما يعرفون من خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أن يُصرِّح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به، ويُريحَهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل، فلم يفعل بل سلك بهم خلافَ طريق الهدى والبيان= فقد ظن به ظن السوء؛ فإنه إن قال: إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبَّر به هو وسلفه فقد ظن بقدرته العجز؛ وإن قال: إنه قادر ولم يبين، وعَدَل عن البيان ــ عن (١)

التصريح بالحق ــ إلى ما يُوهم بل يوقع في الباطل المحال والاعتقاد الفاسد فقد ظن بحكمته ورحمته ظنَّ السوء، وظن أنه وسلَفَه عبَّروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله، وأن الهدى والحق في كلامهم وعباراتهم، وأما كلام الله فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال، وظاهرُ كلام المتهوِّكين الحيارى هو الهدى والحق، وهذا من أسوأ الظن بالله؛ فكلُّ هؤلاء من الظانين بالله ظنَّ السوء ومن الظانين به غير الحق ظنَّ الجاهلية.

ومن ظن به أن يكون في مُلكه ما لا يشاء، ولا يقدر على إيجاده وتكوينه، فقد ظن به ظن السوء (٢).

ومن ظن به أنه كان معطَّلًا من الأزل إلى الأبد عن أن يفعل، ولا يوصف حينئذ بالقدرة على الفعل، ثم صار قادرًا عليه بعد أن لم يكن قادرًا، فقد ظن به ظن السوء (٣).

ومن ظنَّ به أنه لا يسمع ولا يبصر، ولا يعلم الموجودات ولا عددَ


(١) م، ق، ب، ث: «وعن». والمثبت من سائر النسخ، ولا غبار عليه ..
(٢) يقصد به نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم.
(٣) يقصد به من منع تسلسل الحوادث في الأزل فأنكر دوام فاعلية الرب سبحانه وتعالى.