للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالعقد معه عقد مع مرسِله وبيعته بيعته، فمن بايعه فكأنما بايع الله ويد الله فوقَ يده. وإذا كان الحجر الأسود يمينَ الله في الأرض، فمن صافحه وقبَّله فكأنما صافح الله وقبَّل يمينه (١) = فيدُ رسوله أولى بهذا من الحجر الأسود.

ثم أخبر أن ناكث هذه البيعة إنما يعود نكثُه على نفسه، وأن للمُوْفي بها أجرًا عظيمًا، وكلُّ مؤمن فقد بايع الله على لسان رسوله بيعةً على الإيمان (٢) وحقوقِه، فناكثٌ ومُوفٍ.

ثم ذكر حال من تخلَّف عنه من الأعراب، وظنَّهم أسوأَ الظن بالله أنه يَخذُل رسولَه وأولياءه وجنده، ويُظفِر بهم عدوَّهم فلن ينقلبوا إلى أهليهم. وذلك من جهلهم بالله وأسمائه وصفاته وما يليق به، وجهلِهم برسوله وما هو أهلٌ أن يعامله به ربُّه ومولاه.

ثم أخبر سبحانه عن رضاه عن المؤمنين بدخولهم تحت البيعة (٣) لرسوله، وأنه سبحانه علم ما في قلوبهم حينئذٍ من الصدق والوفاء وكمالِ الانقياد والطاعة وإيثار اللهِ ورسولِه على ما سواه، فأنزل السكينة والطمأنينة والرضى في قلوبهم، وأثابهم على الرضى بحكمه والصبر لأمره فتحًا قريبًا ومغانمَ كثيرةً يأخذونها، وكان أولُ الفتح والمغانم فتحَ خيبر ومغانمَها، ثم استمرت الفتوح والمغانم إلى انقضاء الدهر.


(١) صحّ معناه عن ابن عبّاس موقوفًا عليه. أخرجه عبد الرزاق (٨٩٢٠) وابن أبي عمر في «مسنده» ــ كما في «المطالب العالية» (١٢٢٣) ــ والأزرقي في «أخبار مكة» (١/ ٣٢٤، ٣٢٦). وروي مرفوعًا من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه (٢٩٥٧)، ومن حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم (١/ ٤٥٧)، ولكنهما ضعيفان.
(٢) ص، ز، د: «بيعةَ الإيمان».
(٣) س، ن: «وقت البيعة»، تصحيف، وفي س أُسقط «بدخولهم» ليستقيم الكلام.