للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحزبه وحميةُ الجاهلية حظَّ المشركين وجندِهم، ثم ألزم عباده المؤمنين كلمة التقوى، وهي جنسٌ يعمُّ كلَّ كلمةٍ يتَّقى الله بها، وأعلى نوعها كلمةُ الإخلاص، وقد فسرت ببسم الله الرحمن الرحيم، وهي الكلمة التي أبت قريش أن تلتزمها، فألزمها الله أولياءَه وحزبه، وإنما حرمها أعداءَه صيانةً لها عن غير كُفُوِها، وألزمها من هو أحقُّ بها وأهلها؛ فوضعها في موضعها ولم يُضيعها بوضعها عند غير أهلها، وهو العليم بمحالِّ تخصيصه ومواضعه.

ثم أخبر سبحانه أنه صدق رسوله رؤياه في (١) دخولهم المسجد الحرام آمنين، وأنه سيكون ولا بد، ولكن لم يكن قد أتى (٢) وقت ذلك في هذا العام، وأنه سبحانه علم من مصلحة تأخيره إلى وقته ما لم تعلموا أنتم، فأنتم أحببتم استعجالَ ذلك والرب تعالى يعلم من مصلحة التأخير وحكمته ما لم تعلموه، فقدم بين يدي ذلك فتحًا قريبًا توطئةً له وتمهيدًا.

ثم أخبرهم بأنه هو الذي أرسل رسولَه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فقد تكفَّل الله لهذا الأمر بالتمام والإظهار على جميع أديان أهل الأرض، ففي هذا تقوية لقلوبهم وبشارة لهم وتثبيت، وأن يكونوا على ثقةٍ من هذا الوعد الذي لا بد أن يُنجزه، فلا يَظُنُّوا أن ما وقع من الإغماض والقهر يومَ الحديبية نصرةً لعدوه، ولا تخلِّيًا عن رسوله ودينه، كيف وقد أرسله بدينه الحق ووعدَه أن يُظهره على كل دينٍ سواه.

ثم ذكر سبحانه رسوله وحزبه الذين اختارهم له، ومدحهم بأحسن المدح، وذكر صفاتهم في التوراة والإنجيل، فكان في هذا أعظمُ البراهين على


(١) «في» ليست في ص، د.
(٢) ن، المطبوع: «آن».