للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ذكر سبحانه أنه هو الذي كفَّ أيديَ بعضِهم عن بعضٍ من بعد أن أظفر المؤمنين بهم، لِما له في ذلك من الحكم البالغة التي منها: أنه كان فيهم رجال ونساء قد آمنوا وهم يكتمون إيمانهم، لم (١) يعلم بهم المسلمون، فلو سلَّطكم عليهم لأصبتم أولئك بمَعَرَّة الجيش (٢)، وكان يصيبكم منهم معرَّةُ العُدوان والإيقاعِ بمن لا يستحق الإيقاع به. وذكر سبحانه حصول المعرة بهم من هؤلاء الضعفاء المستخفِين لأنها موجَب المعرة الواقعة منهم بهم. وأخبر سبحانه أنهم لو زايلوهم وتميَّزوا منهم لعذَّب أعداءَه عذابًا أليمًا في الدنيا، إما بالقتل والأسر وإما بغيره، ولكن دفع عنهم هذا العذاب بوجود هؤلاء المؤمنين بين أظهرهم، كما كان يدفع عنهم عذابَ الاستئصال ورسولُه بين أظهرهم.

ثم أخبر سبحانه عمَّا جعله الكفارُ في قلوبهم من حميَّة الجاهلية التي مصدرها الجهل والظلم، التي لأجلها صدُّوا رسولَه وعباده عن بيته، ولم يقرُّوا بـ «بسم الله الرحمن الرحيم»، ولم يقروا لمحمدٍ بأنه رسول الله مع تحقُّقهم صِدقَه وتيقُّنهم صحةَ رسالته بالبراهين التي شاهدوها وسمعوا بها في مدَّة عشرين سنةً. وأضاف هذا الجعل إليهم وإن كان بقضائه وقدره كما يُضاف إليهم سائرُ أفعالهم التي هي بقدرتهم وإرادتهم.

ثم أخبر سبحانه أنه أنزل في قلب رسوله وأوليائه من السكينة ما هو مقابل لما في قلوب أعدائه من حميَّة الجاهلية، فكانت السكينةُ حظَّ رسوله


(١) ث: «ولم».
(٢) المعرَّة: الأذى، ومعرَّة الجيش: هو أذاهم لغيرهم بغير حق، كأن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زرعهم بغير إذن، أو يقتلوا مَن مرُّوا به من مسلم أو معاهد.