للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذا تضاعُفُ مقادير السيئات فيه لا كمِّيَّاتها، فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن سيئةٌ كبيرةٌ جزاؤها مثلها، وصغيرُها جزاؤها مثلها (١). فالسيئة في حرم الله وبلده على (٢) بساطه أكبر وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض. ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه. فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات فيه، والله أعلم.

وقد ظهر سرُّ هذا التفضيل والاختصاص في انجذاب الأفئدة وهوى القلوب وانعطافها ومحبتها لهذا البلد الأمين، فجذبُه للقلوب أعظم من جذب المغناطيس للحديد، فهو أولى بقول القائل:

محاسنُه هَيُولى كلِّ حُسْنٍ ... ومِغْناطيسُ أفئدةِ الرجال (٣)

ولهذا أخبر سبحانه أنه مثابة للناس، أي: يثوبون إليه على تعاقب الأعوام من جميع الأقطار، ولا يقضُون منه وطرًا، بل كلما ازدادوا له زيارةً ازدادوا له اشتياقًا.

لا يرجع الطرف عنها حين يبصرها ... حتى يعود إليها الطرف مشتاقَا (٤)


(١) الجملة «وصغيرها جزاؤها مثلها» ساقطة من ع، ك.
(٢) ق، ن: «وعلى».
(٣) أنشده ابن سنان في «سرِّ الفصاحة» (٢٤٩ - نشرة شعلان) للظاهر الجزري (ت ٤٠١ هـ) وهو بالظاء المعجمة فيما نصَّ عليه ابن ماكولا في «الإكمال» (٥/ ٢٤٠). وقد يرد في المصادر بالطاء المهملة. والبيت أورده المؤلف في «روضة المحبين» (ص ١٠٦) أيضًا دون عزو.
(٤) ع، ك: «حين ينظرها». والبيت لإبراهيم بن العباس الصولي في ديوانه ضمن «الطرائف الأدبية» (ص ١٤٧). ويروى لأبي نواس. انظر: «ديوانه» (٤/ ٩٢ - ط النشرات الإسلامية). وقد أنشده المؤلف في كتب أخرى له أيضًا. انظر تعليقي على «طريق الهجرتين» (٢/ ٧٢٦).