للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فللّه كم لها من قتيل وسليب وجريح! وكم أنفق في حبِّها من الأموال والأرواح، ورضي المحِبُّ بمفارقة فِلَذ الأكباد والأهل والأحباب والأوطان، مقدِّمًا بين يديه أنواع المخاوف والمتالف والمعاطب والمشاقّ، وهو يستلذُّ ذلك كلَّه ويستطيبه، ويراه ــ لو ظهر سلطان المحبة في قلبه ــ أطيبَ من نعيم المتخلِّفين (١) وترفُّههم (٢) ولذَّاتهم.

وليس محبًّا من يعُدُّ شقاءَه ... عذابًا إذا ما كان يُرضِي حبيبَه (٣)

وهذا كلُّه سرُّ إضافته إليه سبحانه بقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج: ٢٦]. فاقتضت هذه الإضافة الخاصة من هذا الإجلال والتعظيم والمحبة ما اقتضته (٤)، كما اقتضت إضافته لعبده ورسوله إلى نفسه ما اقتضته من ذلك. وكذلك إضافته عباده المؤمنين إليه كَسَتهم من المحبة والجلالة (٥) والوقار ما كستهم. فكلُّ ما أضافه الربُّ تعالى إلى نفسه فله من المزية والاختصاص على غيره ما أوجب له الاصطفاء والاختيار، ثم يكسوه بهذه الإضافة تفضيلًا آخر وتخصيصًا وجلالةً زائدًا على ما له قبل الإضافة.

ولم يوفَّق لفهم هذا المعنى من سوَّى بين الأعيان والأفعال والأزمان


(١) ق: «المتخلية»، وفي النسخ المطبوعة: «نعم المتحلية».
(٢) ص، ج: «ترفهم».
(٣) كذا ضُبط البيت في ج، ق، ك؛ ولم أقف عليه.
(٤) وانظر: «بدائع الفوائد» (٢/ ٤٦١ - ٤٦٢) و «روضة المحبين» (ص ٣٧٩).
(٥) ع، ك: «المحبة والإجلال». وفي مب: «المحبة والجلال». وفي ق: «الجلالة والمحبة».