للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأماكن، وزعم أنه لا مزية لشيء منها على شيء، وإنما هو مجرَّد الترجيح بلا مرجِّح. وهذا القول باطل من أكثر (١) من أربعين وجهًا قد ذُكِرت في غير هذا الموضع (٢).

ويكفي تصوُّرُ هذا المذهب الباطل في فساده، فإنَّ مذهبًا يقتضي أن تكون ذواتُ الرسل كذوات أعدائهم في الحقيقة، وإنما التفضيل بأمر لا يرجع إلى اختصاص الذوات بصفات ومزايا لا تكون لغيرها؛ وكذلك نفسُ البقاع واحدة بالذات ليس لبقعة على بقعة مزية البتة، وإنما هو بما يقع فيها من الأعمال الصالحة، فلا مزية لبقعة البيت والمسجد الحرام ومنًى وعرفة والمشاعر على أي بقعة سمَّيتها من الأرض، وإنما التفضيل باعتبار أمر خارج عن البقعة لا يعود إليها ولا إلى وصف قائم بها (٣).

والله سبحانه قد ردَّ هذا القول الباطل بقوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}، قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتِهِ (٤)} [الأنعام: ١٢٤] أي: ليس كل أحد أهلًا ولا صالحًا لتحمل رسالاتِه (٥)، بل لها محالُّ مخصوصة لا تليق إلا بها، ولا تصلح إلا (٦) لها،


(١) ما عدا ص، ج، مب: «بأكثر»، والمثبت هو أسلوب المؤلف.
(٢) لم أقف عليه، ولكن انظر: «أعلام الموقعين» (١/ ١١٥) و «شفاء العليل» (ص ٢٠٣).
(٣) السياق: «فإنَّ مذهبًا يقتضي ... » فطال وصف اسم إن، وحذف خبرها لدلالة السياق عليه.
(٤) في ق وحدها أثبتت الكلمة «رسالته» مع فتح التاء على قراءة ابن كثير وحفص عن عاصم. وفي غيرها كما أثبتنا على قراءة أبي عمرو السائدة في زمن المؤلف.
(٥) ق: «رسالته».
(٦) «إلا» ساقطة من ق، ك.