للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من الأنصار على سرية بعثهم وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، قال: فأغضبوه في شيء فقال: اجمعوا لي حطبًا، فجمعوا، فقال: أوقدوا لي نارًا، فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها، قال: فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النار (١)، قال: فسكن غضبه وطفئت النار، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكروا ذلك له، فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها؛ إنما الطاعة في المعروف». وهذا هو عبد الله بن حُذافة السهمي (٢).

فإن قيل: فلو دخلوها لدخلوها طاعةً لله ورسوله في ظنهم فكانوا متأولين مخطئين، فكيف يخلَّدون فيها؟

قيل: لمَّا كان إلقاء نفوسهم في النار معصيةً يكونون بها قاتلي أنفسهم، فهمُّوا بالمبادرة إليها من غير اجتهاد منهم هل هو طاعة وقربة أو معصية= كانوا مُقْدِمين على ما هو محرَّم عليهم ولا تسوغ طاعة ولي الأمر فيه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فكانت طاعةُ مَن أمرهم بدخول النار معصيةً لله ورسوله، فكانت هذه الطاعة هي سبب العقوبة، لأنها نفس المعصية، فلو دخلوها لكانوا عصاةً لله ورسوله وإن كانوا مطيعين لولي الأمر، فلم تَدفع طاعتُهم لوليِّ الأمر معصيتَهم لله ورسوله، لأنهم قد علموا


(١) زِيد في هامش ز مصححًا عليه: «أفندخلها»، وهو في لفظٍ عند البخاري (٧١٤٥).
(٢) يُشكل عليه أن حديث عليٍّ صريح بأن الأمير كان من الأنصار، وعبد الله بن حُذافة ليس كذلك، فإنه قرشي مُهاجري. وسيأتي (ص ٦٤٦ - ٦٤٧) استشكال المؤلف لهذا مع أمرين آخرين، وسيجيب عنها بقوله: «فإما أن يكون واقعتين، أو يكون حديث علي هو المحفوظ».