أن من قتل نفسه فهو مستحق للوعيد، والله قد نهاهم عن قتل أنفسهم، فليس لهم أن يقدموا على هذا النهي طاعةً لمن لا تجب طاعته إلا في المعروف.
فإذا كان هذا حكمَ من عذَّب نفسه طاعةً لولي الأمر، فكيف بمن عذب مسلمًا لا يجوز تعذيبه طاعةً لولي الأمر.
وأيضًا فإذا كان الصحابة المذكورون لو دخلوها لما خرجوا منها مع قصدهم طاعةَ الله ورسوله بذلك الدخول، فكيف بمن حمله على ما لا يجوز من الطاعةِ الرَّغبةُ والرَّهبةُ الدُّنيوية.
وإذا كان هؤلاء لو دخلوها لما خرجوا منها مع كونهم قصدوا طاعة الأمير وظنوا أن ذلك طاعةٌ لله ورسوله، فكيف بمن دخلها من هؤلاء المُلبِّسين إخوانِ الشياطين، وأوهموا الجهال أن ذلك ميراثٌ مِن إبراهيم الخليل، وأن النار قد تصير عليهم بردًا وسلامًا كما صارت على إبراهيم، وخيارُ هؤلاء ملبوس عليه يظن أنه دخلها بحالٍ رحماني، وإنما دخلها بحال شيطاني؛ فإن كان لا يعلم بذلك فهو ملبوس عليه، وإن كان يعلم به فهو مُلبِّس على الناس يوهمهم أنه من أولياء الرحمن وهو من أولياء الشيطان، وأكثرهم يدخلها بحال بهتاني وتحيُّل إنساني، فهم في دخولها في الدنيا ثلاثة أصناف: ملبوس عليه، وملبِّس، ومتحيِّل؛ ونار الآخرة أشد عذابًا وأبقى (١).
* * *
(١) انظر خبر هؤلاء المُلبِّسين والمتحيِّلين ومناظرة شيخ الإسلام إياهم في «مجموع الفتاوى» (١١/ ٤٤٥ وما بعدها).