للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حسن. وهذا الموقوف في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي: أُحِلَّ لنا كذا وحُرِّم علينا ينصرف إلى إحلال النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحريمه.

فإن قيل: فالصحابة في هذه الوقعة (١) كانوا مضطرين، ولهذا لما هموا بأكلها قالوا: إنها ميتة، وقالوا: نحن رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن مضطرون، فأكلوا. وهذا دليل على أنهم لو كانوا مستغنين عنها لما أكلوا منها.

قيل: لا ريب أنهم كانوا مضطرين، ولكن هيَّأ الله لهم من الرزق أطيبه وأحله، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بعد أن قدموا عليه (٢): «هل بقي معكم من لحمه شيء؟» قالوا: نعم، فأكل منه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إنما هو رزق ساقه الله لكم» (٣)، ولو كان هذا رزق مضطر لم يأكل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حال الاختيار.

ثم لو كان أكلهم منها للضرورة فكيف ساغ لهم أن يدهنوا بودكها وينجسوا به ثيابهم وأبدانهم؟

وأيضًا: فكثير من الفقهاء لا يجوِّز الشبع من الميتة، وإنما يجوِّزون منها سدَّ الرمق، والسريةُ أكلت منها حتى ثابت إليهم أجسامهم وسمنوا وتزودوا منها.

فإن قيل: إنما يتم لكم الاستدلال بهذه القصة إذا كانت تلك الدابة قد ماتت في البحر ثم ألقاها ميتةً، ومن المعلوم أنه كما يَحتمِل ذلك يَحتمِل أن


(١) س، ث، ن، المطبوع: «الواقعة».
(٢) «عليه» ساقط من س، ث، المطبوع.
(٣) هذا نقل بالمعنى، ولفظه كما سبق: «هو رزق أخرجه الله لكم».