للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يُعرَف أي ليلة كانت. وإن كان الإسراء من أعظم فضائله - صلى الله عليه وسلم -، ومع هذا فلم يُشرَع تخصيصُ ذلك الزمان ولا ذلك المكان بعبادة شرعية. بل غار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي وكان يتحرَّاه قبل النبوة لم يقصده هو ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة، ولا خصَّ اليومَ الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها، ولا خصَّ المكانَ الذي ابتدئ فيه بالوحي ولا الزمان بشيء. ومن خصَّ الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا لزمان أحوال المسيح مواسم وعبادات، كيوم الميلاد، ويوم التعميد، وغير ذلك من أحواله. وقد رأى عمر بن الخطاب جماعةً ينتابون مكانًا يصلون فيه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مكان صلَّى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا، فمن أدركته فيه الصلاة فليصلِّ، وإلا فليمضِ (١).

وقد قال بعض الناس (٢): إن ليلة الإسراء في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من


(١) أخرجه عبد الرزاق (٢٧٣٤) وابن أبي شيبة (٧٦٣٢) وسعيد بن منصور ــ كما في «اقتضاء الصراط المستقيم» (٢/ ٢٧٣) ــ وابن وضاح في «البدع» (١٠٠). صححه شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٤١٠) وابن كثير في «مسند الفاروق» (١/ ١٤٣) والحافظ في «الفتح» (١/ ٥٦٩).
(٢) هنا انتهت العبارة الطويلة التي وردت في حاشية ص ومتن مب، ن، وخلت منها الأصول الأخرى. والجدير بالذكر أن هذا الذي نُسِب في العبارة الجديدة إلى بعض الناس قد نسبه المؤلف من قبل إلى شيخ الإسلام في أصل هذا الكتاب و «بدائع الفوائد» (٣/ ١١٠٣) ضمن مسائل في التفضيل نقلها عن الشيخ.