للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا: فإنها لو فتحت صلحًا لم يُعَبِّ جيشَه خيَّالتَهم ورَجلَهم ميمنةً وميسرةً ومعهم السلاح، وقال لأبي هريرة: «اهتف لي بالأنصار»، فهتف بهم فجاؤوا فأطافوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟» ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى: «احصدوهم حصدًا حتى توافوني بالصفا»، حتى قال أبو سفيان: يا رسول الله، أبيحت خضراءُ قريش، لا قريش بعد اليوم! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أغلق بابه فهو آمن»، وهذا محال أن يكون مع الصلح، فإن كان قد تقدَّم صلح ــ وكلَّا! ــ فإنه ينتقض بدون هذا.

وأيضًا فكيف يكون صلحًا وإنما فتحت بإيجاف الخيل والركاب، ولم يحبس الله خيلَ رسوله وركابَه عنها كما حبسها عنها يومَ صلح الحديبية، فإن ذلك اليوم كان يومَ الصلح حقًّا، فإن القصواء لما بركت به قالوا: خلأت القصواء، قال: «ما خلأت، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل»، ثم قال: «والله لا يسألوني خطةً يعظمون فيها حرمةً من حرمات الله إلا أعطيتهموها» (١).

وكذلك جرى عقدُ الصلح بالكتاب والشهود ومحضرٍ من ملإ المسلمين والمشركين، والمسلمون يومئذ ألف وأربعمائة؛ أَفجرى (٢) مثل هذا الصلح في يوم الفتح ولا يكتب ولا يُشهَد عليه ولا يحضره أحدٌ ولا تُنقَل كيفيته والشروط فيه؟! هذا من الممتنع البينِ امتناعُه.


(١) أخرجه البخاري (٢٧٣١) من حديث عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، وقد سبق مطوّلًا عند ذكر غزوة الحديبية (ص ٣٤١).
(٢) همزة الاستفهام ساقطة من المطبوع، وكذا من ن ولكنه ضبط هكذا: «فَجَرْيُ»، وفي س: «أيجري».