للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأمل قوله: «إن الله حبس عن مكة الفيل وسلَّط عليها رسوله والمؤمنين» كيف يُفهَم منه أن قهرَ رسولِه وجندِه الغالبين لأهلها أعظمُ مِن قهر الفيل الذي كان يدخلها عليهم عَنوةً فحبسه عنهم، وسلَّط رسوله والمؤمنين عليهم حتى فتحوها بعِزِّ (١) القهر وسلطان العنوة وإذلال الكفر وأهله، وكان ذلك أجلَّ قدرًا، وأعظم خطرًا، وأظهر آيةً، وأتم نصرةً، وأعلى كلمةً= مِن أن يُدخلهم تحتَ رقِّ الصلح واقتراح العدوِّ وشروطهم، ويمنعَهم سلطانَ العنوة وعزَّها وظفرها في أعظم فتح فتحه على رسوله وأعزَّ به دينه وجعله آيةً للعالمين.

قالوا: وأما قولكم: إنها لو فتحت عنوةً لقسمت بين الغانمين، فهذا مبني على أن الأرض داخلة في الغنائم التي قسمها الله سبحانه بين الغانمين بعد تخميسها، وجمهورُ الصحابة والأئمة بعدهم على خلاف ذلك وأن الأرض ليست داخلةً في الغنائم التي تجب قسمتها، وهذه كانت سيرة الخلفاء الراشدين، فإن بلالًا وأصحابه لمَّا طلبوا من عمر بن الخطاب أن يَقسِم بينهم الأرض التي افتتحوها عنوةً ــ وهي الشام وما حولها ــ وقالوا له: خذ خُمُسَها واقسمها= فقال (٢) عمر: «هذا غير المال (٣)، ولكن أحبسه فيئًا يجري عليكم وعلى المسلمين»، فقال بلال وأصحابه: اقسمها بيننا، فقال عمر: «اللهم


(١) النسخ المطبوعة: «فتحوها عنوةً بعد»، إقحام وتحريف.
(٢) كذا في الأصول، والجادَّة عدم اقتران جواب «لمّا» بالفاء، على أنه قد ادَّعى بعضُهم جوازه. انظر: «ارتشاف الضَّرَب» (٤/ ١٨٩٧).
(٣) كذا في الأصول، وهو كذلك في مطبوعة كتاب «الأموال» لابن زنجويه، ووقع في مطبوعة كتاب «الأموال» لأبي عبيد و «تاريخ دمشق»: «هذا عين المال».